في مارس لعام 2011م عندما وقعت كارثة زلزال شرق اليابان العظيم بقوة 9 درجات وموجات تسونامي العاتية، وما نتج عنها من أزمة نووية في فوكوشيما أصيبت الحياة والصناعة في اليابان بضربة مؤثرة نتيجة الوفيات، ونقص إمدادات الطاقة والسلع. في ذلك الوقت العصيب سارع عدد من السفراء بإغلاق السفارات، ومغادرة طوكيو من دون أي إشعار لوزراة الخارجية اليابانية. وفي نفس الوقت بدأت وسائل إعلام أجنبية في شن حملات ضخمة ضد اليابان، وسوء إدارة الأزمة من وجهة نظرهم. وبالمقابل، كان هنالك سفراء لدول شرق أوسطية يعملون لاستغلال الأزمة بطريقة بروباجاندا إعلامية بأخذ مساعدات للمناطق المنكوبة، وتسليمها للضحايا الذين أجبرهم التسونامي والإشعاعات النووية على مغادرة بيوتهم، وتوثيق ذلك بالصور الفتوغرافية وتقارير الفيديو، وبثها على نطاق واسع مما ترك انطباعاً في غاية السوء لدى اليابانيين من تلك السلوكيات.. ولكن وهنا قد يتساءل البعض: ما الذي فعله السعوديون خلال تلك الأزمة؟

في الواقع كانت التعليمات واضحة وصريحة بتقديم كل ما يمكن من دعم ومساعدة للأصدقاء في اليابان، وعدم نشرها أو التحدث عنها إطلاقاً في الإعلام. زار وزير النفط السعودي وقتها اليابان بعد أسبوع من الكارثة مع تعهد بتقديم كل ما تحتاجه اليابان من إمدادات نفط بشكل فوري، وتزويد منازل المنكوبين بالوقود من دون مقابل مع التكتم الكامل على كل ذلك إعلامياً. وبعد انتهاء الأزمة وعودة الأمور لطبيعتها، وطول فترة عملي الدبلوماسي إلى صيف عام 2015م لم أحضر اجتماعاً أو حفلاً رسمياً يتضمن كلمات من مسؤولين يابانيين إلا وكان الشكر والتقدير لذلك الموقف السعودي الشهم، الذي كان يقابله تأكيد بأن ما فعلناه هو الواجب تجاه أصدقائنا..

واليوم ومع جائحة كورونا العالمية أرى المشهد يتكرر أمامي، ولكن ليس على مستوى سفراء بل دول في تغطيات إعلامية عن المساعدات الطبية لدول أخرى تصل لمرحلة الإذلال في وجهة نظري.. وعندما تسمع الجعجعات الإعلامية والتشدق بالبروباغاندا لدى بعض الدول عن مساعداتها لدول أخرى في مقابل ما يكون أشبه بصمت إعلامي سعودي عن المساعدات المقدمة للدول الأخرى والقائم على مبدأ المروءة والشهامة، تتذكر كلمات المتنبي:

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ

وأختم هذه المقالة بموقف آخر أثناء ترجمتي لمقابلة إعلامية لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- والذي كان ولياً للعهد عند زيارته لليابان عام 2006م. حينها سأله مراسل محطة إن إتش كي الحكومية اليابانية: «ما هو مقدار الدعم الذي قدمته القيادة السعودية لحركة حماس؟». وكان جواب الأمير سلطان -رحمه الله- مباشراً وبكل ثقة: «نحن لا ندعم حركات بل ندعم الشعب الفلسطيني وهذا واجبنا تجاه أشقائنا. وليس من المروءة أن نتحدث كم وكيف دعمنا إخوتنا. وإذا كنت مصراً على معرفة الجواب بإمكانكم سؤال إخوتنا في فلسطين وهم سيجيبونك!».