ما معنى دولة القانون؟ أول مرة سمعت بهذه الكلمة من الرئيس المصري أنور السادات عندما رددها في إحدى خطبه. لم أكن حينها أدرك دلالتها. مضت سنوات والقانون في خيالي مجرد كلمة لا تتعدى القوانين التي نعيشها كل يوم. قانون المرور وقانون الجنسية وقانون البلدية.. إلخ. مجموعة اشتراطات وتوجيهات تؤطر مصالح الناس. لم أكن أتبين قيم الديموقراطية والإنسانية الكامنة داخلها. متابعة الصراع في إدلب هذه الأيام يمكن أن يكون مدخلاً لفهم معنى القانون.

شنت قوات النظام السوري هجوماً على إدلب، يرى أصحاب الرأي في هذا الهجوم أن ساعة إدلب التي وعد بها النظام السوري قد دنت. معركة حاسمة بدأت لتحسم طبيعة الحياة في هذه المدينة المنكوبة. لا أظن أن بالغاً عاقلاً لم يتوقع أمراً كهذا. العقدة الأساسية في صراع إدلب هي اللاجئون. سينزح المدنيون من منطقة الصراع وليس لهم سوى الاتجاه للأراضي التركية؛ وتركيا لن تأويهم. ستفتح الباب لهم للرحيل إلى أوروبا. لكن أوروبا لا تتحمل مزيداً منهم خصوصاً أن بين هؤلاء الأبرياء والمستضعفين إرهابيين عتاة. فداوية النصرة وغيرها من التنظيمات الإجرامية المتمرسة. معركة ادلب هي أم المعارك بامتياز.

بتتبع حركة اللاجئين يمكن أن نعرف معنى دولة القانون. لماذا تستطيع تركيا دفع اللاجئين إلى أوروبا (طردهم) ولا تستطيع كثير من الدول الأوروبية طردهم إذا دخلوا أراضيها. ما الذي يجعل تركيا قادرة إلى ابتزاز أوروبا؟

القانون في معظم الدول الأوروبية يتصف بالقداسة (الدنيوية). وهي قداسة لا تؤسس على فتوى من عالم أو قسيس أو أي دين ولكنها مستمدة من سلطة البرلمان الذي انتخبه الشعب. من بين هذه القوانين قوانين تتصل بالمهاجرين واللاجئين والأجانب وبقية المواد الإنسانية التي تتصل بالوافدين على البلاد.

إلقاء الحكومة التركية اللاجئين السوريين على الأراضي الأوروبية يحمل معنيين؛ الأول أن تركيا لا يوجد بها قوانين واضحة وحازمة تجاه الوافدين تلتزم بها الحكومة التركية، والثاني أن حكومات الغرب لا تستطيع تجاوز القوانين التي سنتها برلماناتها. تستطيع تركيا أن تبتز الدول التي تقيدها القوانين. ظاهرياً هذا الابتزاز في صالح تركيا. حقيقة الأمر المسألة في صالح الحكومة التركية وليست في صالح الشعب التركي. القوانين المنظمة للأجانب هي في جزء منها قوانين حقوق الإنسان وكلمة إنسان تتجاوز المواطن إلى فضاء الإنسانية الأرحب. المواطن قبل أن يكون مواطناً هو إنسان. الرعاية الأساسية كالأكل والشرب والمأوى والكرامة حق لكل من يعيش على الأرض. عندما يصل اللاجئ الأراضي الأوروبية ينضوي تحت هذا القانون الإنساني. لا تستطيع الحكومة الغربية المساس به. مساسها بالقانون المتعلق بالأجنبي يخولها المساس بالقانون المتعلق بالمواطن. كلا القانونين يتساويان في القوة لأن مصدرهما البرلمان نفسه. تستقبل الحكومة اللاجئ ليس طيباً فيها ولكن انصياعاً لإرادة الشعب وقيم الشعب.