في هذه الأيام نُفاجأ بإعلان الرياض عاصمة المرأة العربية، وكأن ذلك بمثابة ستارة لخشبة مسرح حين تفتح، فتبدأ الأحداث لعالم يتحرك بداخلها أمام عينيك مفعم بالحيوية والوعي، ولكنه عالم قد أُعد له بما يقترب من المئة عام!..

منذ سنوات عديدة عبرت ونحن نتحدث عن المرأة السعودية في محاولة دائمة لإبراز وعيها وعظمتها ومكانتها في بلدها، بمفهوم غاب عن الكثير ليس على مستوى الوطن العربي فحسب وإنما في العالم أجمع. بالرغم من تلك الحيوية المفعمة بها والنشاط والثقافة إلا أن شهرة تلك العادات والتقاليد في محيط الأسرة وكذلك في الملبس والتحرك داخل المجتمع جعلتها تبدو ذات صورة غائمة للمجتمعات الأخرى. وكانت محاولاتنا عبر الصورة المرئية والمقروءة، سواء كانت صحفاً أو مجلات أو حتى تلفزة بدت لنا كدخان ينتشر في الفضاء الرحب دون محيط يجعله في دائرة الوعي الجمعي العربي والمحلي والعالمي أيضاً لهذه المرأة السعودية التي اتخذت مكانها كسفيرة وسيدة أعمال وعالمة ومبتكرة وقيادية مصرفية وغير ذلك من الاشتغالات التي تباري فيها زملاءها الرجال.

وكنا لا نعلم كيف يمكن أن يكون الطريق في زخم هذا الفضاء المتخم والفضفاض وكأن الماء يتسرب من بين أصابعنا فلا يمكن القبض عليه في مثل تلك الأجواء! لكننا لم نكل لعشرات السنين حتى تأتت لنا هذه الفترة من التاريخ المُشْرَع، والنهضة المدهشة والمفاجئة للعالم كله، وذلك بإماطة اللثام عن هذا المارد المتجبر، حينها أيقنَّا أن دور المؤسسات والحكومات أكبر بكثير من جهد الأفراد وإن كان الأخير هو من مهد وكافح ونادى واستشرف بكل الوسائل.

في هذه الأيام نفاجأ بإعلان الرياض عاصمة المرأة العربية، وكأن ذلك بمثابة ستارة لخشبة مسرح حين تفتح، فتبدأ الأحداث لعالم يتحرك بداخلها أمام عينيك مفعم بالحيوية والوعي، ولكنه عالم قد أُعد له بما يقترب من المئة عام!

نعم أعد له بكل الأدوات من الوعي والتعليم ثم الثقافة والمتابعة في سكون لم يكن ظاهراً للعالم، وأعتقد أن ذلك سيشكل للعالم أجمع نوعاً من الدهشة والصدمة لما سيطفو على السطح من بريق ذلك التأسيس الذي بذلته ليس الدولة فحسب وإنما المرأة والأسرة أيضاً بوعي تام بأهمية التعليم والبعثات الخارجية لتوسيع مداركها الثقافية.

لم يكن العالم العربي فحسب بل والعالمي أيضاً ليدرك هذه الصورة التي برزت على الساحة بهذا الإشراق والتميز، ولذلك اختيرت الرياض عاصمة للمرأة العربية للعام 2020، وأعتقد أننا الآن كنخبة تنويرية سنسلك منحنى كبيراً في الحديث عن المرأة السعودية بعد هذا الحدث وما سبقه وما صاحبه من أحداث، وكأننا سنقلب صفحة في كتاب عتيق وقديم وتاريخي مهم في تاريخ المرأة السعودية، كما سبق وصرحت بأننا سنقلب صفحة المسرح السعودي أيضاً وغير ذلك من الصفحات التي ستتحول إلى تاريخ ليس ذلك لتقليل من شأن أي منهما، ولكن لأهمية حقب مضت يجب أن تدون بأحرف من ذهب ولصعوبة الحديث عما يأتي في ضوء هذا التحديث، ولكن الأهم هو تدوين واستشراف ما هو آتٍ من مستقبل نراه يتكون أمامنا كما تتكون السحب الممطرة فيستبشر بها العرب!

حقبتان متجاورتان شديدتا الاقتراب بين جيل أمهاتنا في الأمس القريب وبين بناتنا الآن، وكأن جيلنا نحن هو جيل الجسر الذي طرح ظهره بكل تلك الآلام والصعاب لكي يعبرن بين جيلين.

وقد يدهش القارئ من تجاور هذين الجيلين بين الجدات والبنات، وكيف أن حدثت هذه القفزة العظيمة وبكل تأكيد على ظهورنا نحن وجيلنا وكأننا سفينة ناقلة لجيل جديد في محيطات متلاطمة. فجيل جداتنا والآتي بعضهن لا يزلن على قيد الحياة لتبيان تقارب الأجيال قلت عنهن في قصيدة لي:

  وتبزغ شمس موطننا، تعانق هامة الأشجار تتويجا وتلوينا 

ترينا الضوء أحيانا، وتلفح صفحة الهامات والأعناق وقْـداً حارقا فينا

فنغدو صوب غدرانٍ ألفنا بَرْد لُجَّـتها، وتأسرنا ينابيع روينا من مناهلها، ونسبح في عبابتها، وتسترنا جوانبها وآكام عهدناها، تغالب أعين الواشين عن حُرَمٍ حرصنا أن نبالغ في تسترنا، ونأبى أن تطالع أعين الرقباء شيئاً فاتنا فينا!!

أما لسان جيل الرياض عاصمة المرأة العربية فينشد بكلمات الشاعر صالح زمانان على خشبة مركز الملك فهد في يوم تتويج المسرح والمرأة:

يا ساقي الورد زود ماه.. لا يذبل الورد يا ساقي

كف العنود ازدهر حناه.. يا موطن العز يا راقي

هذان لسانان متقاربان ومتعايشان في ذات الحقبة، لكن جيل اليوم يتفوق بكلمات لا تنم إلا عن تحقق رؤية صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان وبما قدمه للمرأة السعودية من انعتاق كانت قد استعدت له مسبقاً بكل وسائل المواجهة الواعية والبارزة على الساحة العربية والعالمية، بل تسلحت بروح الطموح وكأنها تستعد على مدار 30 عاماً لعاصمة المرأة العربية الرياض، فيزاح الستار عن أتم الاستعداد لجيل اليوم لتكن عاصمة لجميع نساء الوطن العربي واللاتي كن يعتلين المنصات العربية والمرأة السعودية في غرفة الصناعة دون أن يعلم بها أحد! ولهذا، وبهذا، وهكذا تكون المرأة السعودية في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله.