لا أعرف شيئاً عن الفيروسات فضلاً عن هذا الفيروس الجديد. هذا لا يعني أن معلوماتي صفر بل بالعكس لأن معرفتي به صارت أكثر من معرفة المختصين في دراسة الفيروسات. يصلني سيل هادر من المعلومات والشروحات والتعريفات والتواريخ. لم أعد أعرف الصح من الخطأ والمفيد من المضر. هل سيفتك بالبشرية أم سيكتفي بمن أصاب؟ هل مصدره الخفافيش أم عقوبة إلهية؟

المتابع لسردية هذا الفيروس التي تتنامى بشكر سريع سوف يتتبع تطور وتخلف الفكر البشري وسيعرف نوع المخاوف الأسطورية التي ما زالت عالقة في ثقافة الإنسان. سيعرف الصراعات السياسية ونظرية المؤامرة. سيعرف من هي الأمم المساهمة في تطور البشرية والأمم المتفرجة وسيكتشف إيمانات ومواقف الناس المختلفة فيما يتعلق برهاب الفناء.

نشرت واحدة من أشهر القنوات الفضائية العربية تقريراً عن الأوبئة التي اجتاحت العالم على مدى قرون. زور التقرير مجموعة من تواريخ الأوبئة التي حدثت في القرون الماضية ليجعل منها تأتي على رأس كل قرن وبالتحديد في سنة عشرين من كل قرن. تمت زخرفة التقرير بموسيقى هوليودية دراكولية وبصوت مذيع يتعمد التخويف والترهيب ويبدو في عجلة من أمره فراراً من الفيروس. ما الهدف أن تنتج قناة إخبارية شهيرة مثل هذا التقرير في زمن يمكن لأي إنسان أن يعرف الحقيقة بمجرد البحث عنها في غوغل؟ القضية في نظري مزيج من حب الإثارة مع تدنى المهنية يضاف إلى ذلك أن الإنسان ابن بيئته الثقافية في النهاية. الخرافة لا تهبط من السماء ويتلقفها البشر. الخرافة صناعة بشرية تنطلق في ظرف استثنائي كحادثة فيروس كورونا. يخلقها كاهن أو رجل دين بدائي أو صاحب مصلحة فتكتسب التصديق بعد تداولها وتطويرها.

في الأربعين سنة الماضية أنتج دعاتنا الأفاضل ورقاتنا الشرعيون الافاضل عدداً وافراً من الخرافات دسوها في عقول الناس تحت مظلة الدين. كان معظمهما يأتي في حكايات عن الجن وعن كرامات أو قصص حلم بها أصحابها وبعضهم تطاول وأشرك فيها الرسول الكريم.

الخرافات لا تتوقف عند تخريبها للعقل وطريقة التفكير، تصبح مصدراً للدخل الوفير، بخلاف الخرافات الموروثة خرافات اليوم ترتبط بصراعات العصر وأمراضه ومشكلاته الاجتماعية. محاولة ربط فيروس كورونا بالمشكلات التي نسمع عنها في جماعة الليغور الصينية نموذج للتضليل. فبقدر ما يحاول صاحب هذه الخرافة أن يخدم الليغور هو في الواقع يحول اتباعه والمؤمنين بنظريته إلى اتكاليين، ينتظرون أن تنزل عليهم المساعدة دون عمل أو جهد. الأخطر من هذا أن هذه الخرافة تلعب دوراً خطيراً في تأصيل الصراع الوهمي بين المسلمين والأمم الأخرى.