عندما كنا نلتقي مسؤولاً في حوار رسمي في مبنى الجريدة أو حوار غير رسمي في ندوة منزلية كان المسؤول بعد إلحاح منا على مسألة معينة يوافق على البوح ببعض المسائل التي سعى إلى إخفائها ولكنه يطلب عدم إذاعة كلامه بالعبارة الشهيرة غير صالح للنشر.

كانت الأمور متماسكة والمعلومة تتحرك على مستويين: مستوى عام، ومستوى خاص. على قاعدة ليس كل ما يعرف يقال. ثمة أسباب كثيرة تدعو لذلك بعضها منطقي ومقبول وبعضها تشدد، لا يستطيع أي من الصحفيين الحاضرين إفشاء السر ليس بالضرورة من باب الأمانة ولكن لأنه لا يملك وسيلة لتسريب ما سمعه. كانت الجريدة هي وسيلته الوحيدة لإذاعة الخبر. تغير الأمر اليوم. لن يجرؤ أي مسؤول أن يبوح بكلام ليس للنشر في اجتماع مع عدد من الناس على قدر كبير من التنوع. أصبحت التكنولوجيا تحاصر أي مكان يكون فيه بشر؛ إذا كان الحضور عشرين شخصاً فثمة عشرون آلة تسجيل عالية الحساسية، ستكون الفضيحة بجلاجل، لم تعد المسألة تسريب خبر يمكن نفيه، سيتم التسريب بالدليل القاطع، بالصوت وربما بالصورة.

الظرف الخطير الناشئ عن التطور التقني سوف يغير حياة الناس، ستتغير طبيعة العلاقات بين البشر، وسيتم تعديل كثير من القيم السائدة، على المستوى الإداري سيقلل من حجم السريات، عانت الإدارة في المملكة في الماضي من عبارة (سري للغاية)، كان المزاج الإداري السائد: اختم على أي معاملة تخرج من مكتبك إلى إدارة أخرى كلمة سري حتى لو كانت طلب إجازة مرضية. مع السوشل ميديا من الواضح أن كلمة سري المبتذلة والأخذ بالأحوط ستنتهي، ستعود الكلمة إلى دلالاتها التي أقرتها اللغة.

كمية الأسرار في حياة البشر أقل بكثير مما نظن، كل بيت في العالم يشبه البيت الآخر وكل أسرة تشبه الأسرة الأخرى، ما يجري في هذا البيت يجري مثله في بيت الجار والجار الثاني حتى ما بعد الأطلسي.

المشكلات الأسرية هي نفسها في كل بيت وكل ثقافة وكل أمة، لتعرف ذلك تابع الدراما المصرية والدراما الأميركية والدراما الكورية وأي دراما أخرى تشاء، يشدك المسلسل التلفزيوني الكوري أو الأميركي الأسري على سبيل المثال لأنك ترى فيه مشكلاتك ومشكلات جيرانك ومشكلات أقاربك. ما تخفيه عن الناس هو في الواقع ما يعانيه الآخرون مثلهم مثلك. هذا يعني أن الأسرار التي نداريها ظناً أنها تخصنا وحدنا سنكتشف أنها نفس الأسرار التي يداريها الآخرون عنا.

حضور السوشل ميديا في تفاصيل حياتنا سوف يفتح الناس على بعضها مقوضاً الأسرار، والأهم من كل هذا سوف تطيح بكمية كبيرة من النفاق الاجتماعي.