امتلأت المنتديات بآراء وأفكار وقصص وسواليف ولعنات وتكفيرات وكل شيء يطرأ على بالك حتى أصبح لكل فئة من المجتمع منتداها الخاص. الليبراليون والإسلاميون والمتزمتون وجماهير الكورة إلخ، فجأة ودون سابق إنذار اختفت تلك المنتديات الحانة الرانة واختفى معها كل ما سجل فيها.

من حسن حظي لم أكن منتظماً في تلك المنتديات، كنت مرتبطاً بعقد رسمي مع الجريدة التي أكتب فيها، احتفظت بآرائي وأفكاري لزاويتي شبه اليومية، لكن ثمة كتاباً معروفين (شبه) تفرغوا لهذه المنتديات، ظنوا أنها منارات الحرية، البديل القادم للصحف والمجلات، سيختفي الرقيب الذي شل أقلامهم وحرمهم فضاء الحرية العظيم، الأعظم أن هذه المنتديات تسمح لك أن تكتب باسم مستعار، إذا كان في قلبك غل على أحد فقد حان الوقت للتنفيس، إذا كنت ليبرالياً متخفياً تستطيع أن تعبر عن ليبراليتك وإذا كنت عنصرياً أو طائفياً متخفياً فدونك الفرصة لتقول ما كنت تعجز أن تقوله.

قد يبدو أن حديثي هذا يصف الحال في تويتر، الإشكالية أن هؤلاء الذين وضعوا رجاءهم وآمالهم في المنتديات عادوا مرة أخرى يضعون نفس هذه الآمال والرجاءات في تويتر، يكيلون لتويتر نفس المديح الذي كالوه للمنتديات دون حذر أو على الأقل شيء من التحفظ تحسباً لمخاتلات الزمن الغدار الذي غدر بمنتدياتهم الأثيرة.

يكتب في تويتر كل من يريد أن يكتب، في سطرين تستطيع أن تنسف نظرية داروين من أساساتها، المشكلة ليست في مفكري وفلاسفة مدرجات أستاذ الملك فهد، ثمة كتاب مشهورون تفرغوا لتويتر، يطرحون آراء سريعة مبتسرة يعلقون على أحداث جسام دون تدبر ببساطة وعاطفة، صاروا ضحية للتعجل وسهولة النشر، فقد كثير منهم الاحترام الذي أسسوه على مدى سنوات بالنشر المتواصل في الصحف والمجلات، دفعهم البسطاء إلى البساطة والخفّة أو إنهم خفاف بطبعهم منعتهم الظروف من التعبير عن خفتهم فجاء تويتر لينتشلهم نير الوقار.

ثمة آراء وأفكار كثيرة تطرح في تويتر، يكتبها رجال ونساء بأسماء معروفة، آراء هؤلاء هي أفضل تعبير عنهم في ملابسهم الحقيقية، آراءهم الوقورة التي كتبت في الصحف والمجلات الرسمية اتضح أنها لا تمثلهم بشكل صحيح، كلما اتسعت الحرية كلما عبر الإنسان عن نفسه بشكل أوضح وأصرح، بينت المنتديات والآن تويتر أن الوقار كان مفروضاً عليهم.

المصيبة أن الكتابة في تويتر مثل الكتابة في المنتديات، كتابة على الرمل. نصوص يقرؤها من مر عليها ثم تذروها الرياح، حتى لو صورت التغريدة لتحتفظ بها فلن تتمكن من إثبات نسبها لصاحبها إذا لزم الأمر، الرأي في تويتر ليس رأياً في أفضل الأحيان مجرد انطباع.