بعد فوزها بجائزة نوبل للسلام تعرضت المحامية شيرين لمزيد من الضغوط وعمدت الحكومة على التعتيم على هذا الخبر فمنعت وسائل الإعلام من الحديث عنه فقد كانت الحكومة الإيرانية منزعجة من حصولها على الجائزة ذات العلاقة بحقوق الإنسان..

في مسيرة معارضتها للنظام الإيراني الديكتاتوري كتبت المحامية الإيرانية شيرين عبادي قصتها النضالية ضد هذا النظام في كتاب بعنوان "إلى أن نصبح أحراراً".

شيرين الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2003 تتحدث في هذا الكتاب عن حقوق الإنسان المهدرة في إيران بشواهد واقعية وقصص مروعة مؤلمة.

تقول المؤلفة إن الهدف من كتابها هو تقديم شهادة على ما عاناه الشعب الإيراني في العقد المنصرم، ولكي يتضح للقارئ كيف يمكن أن تؤثر الدولة البوليسية في حياة الناس وتشتت الأسر. وتضيف: ما تستطيع استخلاصه من حكايتي الشخصية هو: إذا كانت حكومة ما تستطيع التصرف بهذه الطريقة مع حائزة جائزة نوبل ولديها تواصل مع وسائل الإعلام العالمية وهي نفسها محامية ذات معرفة دقيقة بالنظام القانوني للبلد، فلك أن تتخيل ما تفعله تلك الحكومة بالإيرانيين العاديين الذين لا تتوافر لهم هذه الوسائل أو تلك الخبرة.

بعد فوزها بجائزة نوبل للسلام تعرضت المحامية شيرين لمزيد من الضغوط وعمدت الحكومة على التعتيم على هذا الخبر فمنعت وسائل الإعلام من الحديث عنه فقد كانت الحكومة الإيرانية منزعجة من حصولها على الجائزة ذات العلاقة بحقوق الإنسان.

تتحدث المحامية عن واقع المرأة المؤلم في إيران، هي نفسها التي وصلت إلى أعلى محكمة في إيران، أخبرتها السلطات الثورية أنه لم يعد بإمكان الإيرانيات أن يكن قاضيات، وخفضت السلطات مرتبتها إلى كاتبة في المحكمة التي كانت تحت رئاستها، هذا الوضع دفعها إلى العمل على تقديم المشورة القانونية فقط. في هذا الإطار كانت أمامها قضية فتاه في الحادية عشرة من عمرها اسمها ليلى تعرضت للاغتصاب من ثلاثة رجال، وأكملوا جريمتهم بضربها ورميها من على جرف قريب لتلاقي حتفها.

تم إيقاف هؤلاء الرجال من قبل الشرطة، أحدهم انتحر، ووجدت المحكمة الآخرين مذنبين، الغريب أن أسرة ليلى كانت هي المسؤولة عن تكاليف إعدامهما، ولم تتمكن الأسرة من تأمين هذه التكاليف، وكانت النتيجة إطلاق سراح الرجلين! لم تتمكن المحامية شيرين من تأمين العدالة لأسرة ليلى لكنها عرضت قضيتها على المجتمع فجذبت تغطية إعلامية كان لها تأثير في تحقيق استنكار عام، والتوعية بقضية مساواة المرأة بالرجل أمام القانون.

وفي قصة أخرى سجنت السلطات الإيرانية المحامية مهرانكيز خمسين يوماً بسبب حضورها مؤتمراً في برلين، بعد خروجها من السجن سافرت إلى الخارج للمعالجة من سرطان الثدي، أثناء وجودها في الخارج اعتقلت السلطات زوجها وأرغمته على الاعتراف بجرائم لم يرتكبها، مرض في السجن فأكمل حكمه في الإقامة الجبرية، لم يتمكن من رؤية زوجته التي لا تستطيع العودة إلى إيران خوفاً على سلامتها، ولم يكن قادراً على رؤية ابنتيه، وصل إلى مرحلة الاكتئاب فرمى نفسه من شقته ولقي حتفه.

في فصل تحت عنوان "الانتخابات المسروقة" تتحدث المؤلفة عن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات نافسه فيها كروبي وموسوي، وما تبع ذلك من شك في النتائج وتظاهرات سلمية تعلن عن حدوث تزوير، قابلت السلطة هذه التظاهرات بالعنف حد القتل، وطرد الصحافيين الأجانب، واعتقال عدد من الصحفيين الإيرانيين وحذرت آخرين بأن قناصة سيطلقون النار عليهم إذا غادروا منازلهم.

الانتخابات المزورة أدت إلى تصاعد التظاهرات والاحتجاجات قابلتها الدولة بترسانة من عناصر الشرطة والأمن والميليشيات الذين تعاملوا مع المتظاهرين بوحشية وأطلقوا النار على حشود سلمية. كان المصابون في المستشفيات يتعرضون للاعتقال في غرف الإسعاف. كان مركز الاحتجاز المؤقت المسمى "كهريزك".

سجناً مرعباً تعرض فيه المسجونون للتعذيب والاغتصاب، أدت هذه الظروف إلى وفاة عدد كبير منهم. كانت - حسب وصف المؤلفة - أوسع انتفاضة شعبية شهدتها إيران منذ الثورة سحقها أحمدي نجادي واصفاً المعارضين بأنهم لا شيء سوى غبار وقاذورات.

عاقب النظام شيرين عبادي بوسائل كثيرة، أخذوا منصبها عندما كانت قاضية، أخذوا مركز حقوق الإنسان الذي أنشأته، فقدت وطنها، فشلوا في إسكاتها فلجؤوا إلى توريط زوجها في خيانة زوجية استغلوها للضغط عليه كي يعلن عبر التلفزيون موقفاً ضد زوجته وأنها لا تستحق الفوز بجائزة نوبل، وأن الهدف من منحها الجائزة هو الإطاحة بالجمهورية الإسلامية.

كتاب المحامية شيرين يتضمن كثيراً من التفاصيل عن ممارسات النظام الإيراني المنافية لحقوق الإنسان والحرية والعدالة. وبينما كانت تكتب السطور الختامية لكتابها كانت الأخبار تعلن التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والغرب، لكن المشكلة الأساسية في نظر المحامية وبتعبيرها نصاً (لا تزال باقية إذ تواصل إيران تدخلها في البلدان المجاورة في الشرق الأوسط). هذا ليس رأي المحامية فقط ولكنه الواقع الذي يشاهده العالم كل يوم ويسبب الأزمات والحروب والفتن والقلق الأمني في الشرق الأوسط وفي العالم.