بدعوة من أحد الأصدقاء، حضرت الأسبوع الماضي الحفل الموسيقي «فيفالديانو مدينة المرايا» على مسرح جامعة الملك فيصل في الرياض. الفعالية تحكي قصة الموسيقار العبقري أنتونيو فيفالدي صاحب العمل الموسيقي الشهير «الفصول الأربعة». أجواء الاحتفالية تتركك في أعلى درجات الإحساس بالفن، وتشعر معها بتلك الطاقة الجديدة التي بدأت تتدفق في السعودية، طاقة الفن والجمال التي تضفي لمسة إنسانية دافئة إلى أرواح المدن.

كانت الرياض تحديدا عاصمة متجهمة، لا ترق ملامحها إلا بالمطر كما قال غازي، قدرها أن تكون في وسط الصحراء، لا تطل على بحر يواسيها كما هو الحال مع الساحلين الشرقي والغربي، ولا تحتضنها الطبيعة كبقية مدن الجنوب، لا تملك إلا حب أهلها الذين اعتادوا قسوتها وألفوها؛ لذلك فإن تلك النشاطات والفعاليات الفنية تعطي المدينة طراوة، وتمنح ساكنيها بهجة من نوع مختلف.

هيئة الترفيه تقوم بكثير لضخ مزيد من الأجواء الاحتفالية الممتعة في المملكة، وتحاول قدر الإمكان الخروج بأفكار خلاقة لدعم أهدافها وتحقيق رضا الجمهور، وأعتقد أن الفعاليات الرائعة التي تقدمها مهمة جدا، لكنها مؤقتة وينتهي أثرها بانتهاء الحدث، لذلك أزعم أن من المهم التخطيط لمشروعات ترفيهية مستدامة، تلك التي تتغلغل في تركيبة المدينة وتغيرها، ربما يكون أحد الأمثلة لذلك هو المشروع الجميل، الذي طرحه سمو ولي العهد لخلق بيئة طبيعية، عبر تحويل جزء ضخم من العاصمة إلى مساحات خضراء شاسعة ستكون عند اكتمالها من أكبر حدائق العالم.

على هذا المنوال من الممكن العمل على مشروعات أخرى تغير شكل الحياة في المدن السعودية، من الممكن مثلا تأهيل أحد الشوارع الكبيرة في الرياض كشارع الأمير سلطان «الثلاثين» ليكون خاليا من السيارات ومخصصا للمقاهي والمطاعم والمحال، ويقصده الناس للاستمتاع بوقتهم، ومشاهدة العروض الحية وفناني الشوارع، وذلك على غرار كثير من مدن العالم.

مثل هذه المشروعات الكبرى التي تغير شكل الحياة في المدن هي ما يمنحها شكلا مختلفا من الجاذبية، ويزيد من تآلف سكانها معها، وبطبيعة الحال تلك الأفكار قد تبدأ من العاصمة وتنتقل كنموذج يطبق في المدن الأخرى.

وأخيرا، العمل على مشروعات مثل هذه لا يكفي لخلق مدينة عصرية نابضة بالحياة، بل يجب أن يتوازى مع حل المشكلات والمنغصات الموجودة بالفعل، مثل مشكلات المرور، وحفر الشوارع وتشوهاتها، إذ يجب الأخذ بالمسؤولين عن هذه القطاعات نحو المشاركة في تنمية المدن، وأن يقوموا بأدوارهم على أكمل وجه لتحقيق جودة الحياة التي ننشدها.