وجدت نفسي أمام عيدية رمضانية ثرية بعدد أيامها، فقررت بعد إلحاح من عائلتي الصغيرة زيارة إحدى الدول الشقيقة، وكان لا بد لي من خطف ساعات معدودة منها لأجل زيارة بعض أصدقائي القدامى ممن غبت عنهم زمنًا طويلًا أشغلتنا فيه عن بعضنا مشاغل الحياة، والمسافات البعيدة، لتدور أحاديث الأشواق والذكريات الجميلة والاستفسار عن أحوال الأصدقاء ممن لم يسعفني الوقت للالتقاء بهم، لتمتد عذوبة أحاديثنا إلى أن نصل للشق السياسي مما يستدعى بعضاً من الصدام اللطيف هنا وهناك، والذي أكاد أجزم انتظار بعضهم له بفارغ الصبر للتعبير بطريقة أو أخرى عن تعاطفه من عدمه معنا في الأزمة القطرية لاستشفاف موقفي ومواقف السعوديين حول هذا الموضوع.

فكان مني موقفي المعتاد وكان من بعضهم الموقف المؤيد للإجراء السعودي وبعضهم الآخر متذبذب في موقفه فتجده حينًا يوافقني بشدة، ويتراجع حينًا آخر خوفًا من خروجه عن رأي بعض أصدقائه المقربين، وإن ظهر أمامي بمظهر المتناقض، وآخر لم يحتمل كبت مشاعره فسكب عاطفته بلسان أفلاطوني متجردًا من كل الحقائق لأجل تمرير المبررات الساذجة للحمدين، ومتجاوزًا بنظرته القاصرة عمق الأزمة السياسية وكل الحقائق والوثائق والتسجيلات والعداء المعلن والتدخلات القطرية السافرة في شؤون دول المقاطعة الداخلية، ومحاولاتها العبثية لتقويض أركان الحكم ومحاربة وتشويه سمعة هذه الدول في المنظمات والمحافل الدولية، والعمل على دعم الخلايا الإرهابية، وشراء الذمم الرخيصة وتجنيد العملاء الخونة وتوجيه الإعلام القذر والمرتزقة، والاستهداف المنظم لوحدتنا واستقرارنا ومكتسباتنا ومقدراتنا وأمن بلادنا وقيادتنا، بالإضافة إلى شراكتها المفضوحة مع الأجهزة الاستخباراتية المعادية للعمل على إسقاط دول المقاطعة، ونشر الاقتتال والفوضى لتمكين مشروعهم المأفون من السيطرة على المنطقة، وهو ما تسبب باستمرار جدلنا واختلافنا في وجهات النظر من دون أن نصل لقناعات توافقية مشتركة.

وهو ما أكد لي بعد «تمعن» أن هناك مواقف مبنية على أسس هوى النفس لا على حقائق ظهرت على أرض الواقع لتؤكّد لي أنها مجرد امتداد لترسبات شخصية قديمة تجاه السعودية وقيادتها ومواطنيها، وأقرب ما تكون إلى عقدة التفوق السعودية منها للقناعة، وهو ما جعلني لا أعتد برأي من تبرأ من العدالة والإنصاف في أحكامه، وغيب عين العدالة والإنصاف عن تقييم الفعل العدواني الذي مارسه هذا التنظيم طوال عقدين، والتفت بمثاليته الظالمة لردة الفعل «المستحقة»، والتي جاءت بعد نفاد صبر دول المقاطعة، وتقطع سبل إصلاح وتراجع السياسات العدوانية القطرية واعتبارها مجرد لعبة «كوت بو ستة» لا أكثر، ما يؤكد لي عشق بعضهم للبيات الدائم في المناطق الرمادية فهي المساحات الوحيدة التي يرى فيها أمنه وأمانه ومنصة آمنة لتمرير مناوراته وأجنداته.