الملك سلمان في خطاباته الثلاثة في قمم مكة كان يقرأ المشهد العربي والإسلامي بلغة حكيم يعرف الخلل ويسميه، ويبحث له عن حل لا ينتصر فيه أحد على أحد، بل يضع الجميع أمام مسؤولياته لردع الخطر الإيراني، أو مواجهته بأقل الخسائر للحد من تجاوزاته..
نجحت قمم مكة الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية بإدارة حكيمة وواعية ومؤثرة من خادم الحرمين الشريفين، ومستوى تمثيل غير مسبوق من القادة ورؤساء الدول، وانسجام في المواقف والرؤى بإعلان 99 قراراً لمواجهة التحديات التي تمرّ بها المنطقة العربية والأمة الإسلامية، إلى جانب الرسالة العميقة التي أرسلتها تلك القمم من أن السلام والأمن والاستقرار خيار استراتيجي، والحوار والوسطية والاعتدال هي آليات الوصول إلى ذلك، والتمسك بالثوابت والحقوق وأولها قضية فلسطين سبيل لجمع الكلمة ووحدة الصف، كما أن الالتزام بالمواثيق والعهود، وعلى رأسها ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، كفيل بترجمة الجهود ودعمها لتحقيق أهدافها في تصحيح صورة الإسلام، وإشاعة التعاون والتعاضد بين المسلمين.
مكان القمم الثلاث في مكة وتوقيتها في الثلث الأخير من رمضان؛ منحها قيمة مضافة على مستوى إعادة الثقة بالعرب والمسلمين، وقدرتهم على إعلان مواقفهم، والحفاظ على مصالحهم، وتجاوز الخلافات بينهم إلى ما هو أهم في التصدي للخطر الذي يتربص بهم، إلى جانب التوقف عن استغلال الدين في تمرير أجندات، أو تحزبات، أو أفكار مؤدلجة، أو محاولة تسييس القضايا لإثارة المسلمين، ونشر الفوضى بينهم، أو تأزيم مواقفهم لمصلحة قوى إقليمية ودولية.
الملك سلمان في خطاباته الثلاثة في قمم مكة كان يقرأ المشهد العربي والإسلامي بلغة حكيم يعرف الخلل ويسميه، ويبحث له عن حل لا ينتصر فيه أحد على أحد، بل يضع الجميع أمام مسؤولياته لردع الخطر الإيراني، أو مواجهته بأقل الخسائر للحد من تجاوزاته، وهنا كان خادم الحرمين واضحاً تجاه إيران في خطابه للقمتين الخليجية والعربية من أنها تشكّل تهديداً حقيقياً للأمن والسلم الدولي، وترعى الإرهاب وتغذيه فكراً وممارسة للوصول إلى أهدافها في نشر الفوضى، والدمار، والتدخل في شؤون الدول الأخرى.
التحذير السعودي من إيران في هذا التوقيت لا يعني إعلان حرب معها، ولكنه رسالة أرادت أن تفهمها طهران بلغة العرب والمسلمين، ومئات الملايين في العالم ممن يتابعون تلك القمم من مكة؛ حيث كانت الصورة تحمل معها رسالة أخرى من أن هذا البلد سيبقى آمناً مطمئناً يأتيه رزقه من كل مكان، وتهوي إليه أفئدة المسلمين من كل فج عميق ليؤدوا مناسكهم، ويذكروا الله في أيام معدودات، وستبقى خدمتهم والسهر على راحتهم شرف الدهر الذي تناله المملكة ملكاً وشعباً، وهي صورة يشاهدها العالم، وينصفها، ويقدرها؛ ليعرف باختصار من يدعو إلى الأمن والاستقرار، ومن يحاول أن يشعل الفتنة، ويمارس الفوضى في مشروع ثوري لم يعد له قبول أو تمكين في عالم اليوم.
ما بعـــد قمم مكة بعــد كل هذا النجاح الذي تحقق هو أن نعي اليوم كعرب ومسلمين أن إيران أكثر الدول تشويهاً لصورة الإسلام المعتدل، وإساءة له بدعم الإرهاب وميليشياته المأجورة، وتضليلاً لمبادئه وقيــــمه وتعاليمه، واستــغلالاً لمكونـــاته وأعراقه في نشر الطائفيـــة، والأخــــطر من ذلك نزعتها نــــحو الهيمـــنة والنفوذ وإعادة أحـــلام إمبراطوريتها.
وعلينا مع كل ذلك أن نواصل تنفيذ قرارات القمم الثلاث، وتبليغها إلى الأمم المتحدة، ومحاولة استصدار قرار دولي يدين فيه الاعتداء على المملكة والإمارات، ويقطع الطريق على المجهود الإيراني في دعم الميليشيات الإرهابية التي تحارب أمن واستقرار الدول، ومنع تدخلها السافر في الدول العربية، إلى جانب مواصلة الضغط الاقتصادي على إيران، وتفعيل العقوبات الأميركية، وتقليل أو قطع التمثيل الدبلوماسي معها من الدول العربية تحديداً، كذلك العمل على دعم المعارضة الإيرانية وتوحيد صفوفها، والعمل مع منظـــمات حقــــوقية وإنسانـــية وتنمــوية لنـــقل معانـــاة الشعب الإيراني المغلوب على أمره من نظــام الملالي، إضافة إلى توجيه رسائل إعلامــية في شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضــائية المتخـصصة لمخاطبة الشعب الإيراني بوسائل متعددة لتقرير مصيره.
التعليقات