مع كل رمضان مبارك تزدحم القنوات الفضائية بالبرامج الحوارية والمسلسلات العربية والخليجية، في سباق محموم تتنافس فيه القنوات الفضائية على استقطاب المشاهدين لرفع نسب المشاهدة وحصد الإعلانات التجارية لتحقيق الهدف الربحي المنشود من إنشاء مثل تلك القنوات، وهو بكل تأكيد حق مشروع لها ولمثيلاتها في كل أنحاء العالم، لهذا سنجد فيها الغث والسمين، ولتنوعها سأختار منها في مقالي هذا ما يهمني منها، ألا وهي البرامج الحوارية التي أجد فيها جاذبية أكثر من غيرها لما تحمله من قيمة فكرية لا أجدها في غيرها، لكنها بكل أسف وقعت في خطأ تكرار الضيوف والموضوعات وتدويرها بين هذه القنوات الفضائية المتعددة، لتدور الحوارات مرة أخرى حول أمور قد أشبعت طرحاً وتكراراً خلال السنوات الماضية عن فكر الشخصية وتوجهاتها وتاريخها وحياتها الخاصة وإنجازاتها ومحطات فشلها.
نعم.. علينا أن نعترف بهذا، وأن نتجاوز مرحلة مجاملة وتلميع الأصدقاء، فالمرحلة الحالية والقادمة بعون الله، مرحلة عمل وبناء وازدهار وتطور لم تشهده المملكة من قبل في عدة مجالات، وهو بكل تأكيد يحتاج لبرامج إعلامية متكاملة ومتمكنة تواكب حجم وأهداف الرؤية ورسالتها، كما علينا الإقرار بأن بلادنا لا تخلو من شباب مبدع صاعد لم تمنحه هذه الشاشات فرصة الظهور نظراً لازدحام قوائمها بنفس أسماء "الأصدقاء المكررة"، وهو ما يستوجب من تلك القنوات أن تعي أننا لسنا بحاجة لبرامج تجتر الماضي وجدل قضاياه التي عطلتنا لسنوات طويلة، ومنحها كل هذه المساحات لندور في نفس دائرة الجدل البيزنطي الذي تسبب بتعطيلنا، ولسنا بحاجة لبرامج ما يقدمه المتقاعدون، بل بحاجة ماسة لأن نتعرف على فكر فرسان المرحلة القادمة ممن سيقودون بلادنا ومستقبلنا ومستقبل فلذات أكبادنا، وأن نتعرف على سيرهم الشخصية والمهنية وأن تلتقي عقول شبابنا من خلال الشاشات بعقول هذه الطاقات القيادية الشابة ليتعرف كل منهما على الآخر، وأن تخلق تلك القنوات قنوات تواصل مع جيل يعتبر حجر أساس نجاح رؤية المملكة القادمة بلا تحيز لأجيال ماضية أخذت فرصتها الكاملة من الظهور وقدمت ما قدمت من نجاحات وفشل.
وأعلم أن هناك من سيخالفني ويقول: هل علينا أن نهمش تلك الشخصيات واستذكار ماضيها ومآثرها، وأقول رداً عليه: لا نهمشهم فالماضي يبقى درساً مهماً للمستقبل، لكن بمساحات أقل مما هي عليه اليوم، فنحن لسنا بالباحثين عن الإثارة والجدل وإخراج أفكار عفى عليها الزمن من توابيتها، بل باحثين عن ديناميكية عملية شاملة تجذب جيلاً صاعداً لم يعد يرى في فكر الماضي ونمط فلسفته الحياتية وقضاياه الغابرة وحياته المختلفة عن نمط حياتهم واهتماماتهم إلا صفحة أرشيفية بالأبيض والأسود، وهو الباحث عن الصفحات الملونة.
التعليقات