للمرة الأولى في تاريخ المملكة تعرّي أطراف الصراع في الشرق الأوسط، وتكشف عن نياتهم، وتتعامل معهم بوضوح وشفافية، وتسميهم بأسمائهم من أعلى المنابر الدولية، وتراهن في مواجهتهم على شعب عظيم أثبتت المواقف والأحداث أنه على قدر الثقة والمسؤولية..
غاية الصراع هو التغيير مهما يكن من أجندات تسوية بين أطرافه، أو تجاوز الحضور لطرف على حساب آخر، أو حتى استدعاء من يعين كل طرف للوصول إلى أهدافه، وكل ذلك الصراع قطعاً يحتاج إلى ثمن باهظ من المواقف، وتحمّل التداعيات، وربما التنازلات أحياناً، والمحصلة أن يبلغ ذروته من المصالح الاستراتيجية التي لا تحتمل أنصاف الحلول، أو تبقى معلقة، أو تنتظر ساعة الصفر ليُملى عليها ما لا تطيق!
صراع الشرق الأوسط القديم لم تكن أدواته في خمسينات القرن الماضي مثل ما هي عليه اليوم؛ فكل شيء تغيّر، أو يجب أن يتغيّر، وكل طرف في صراعه مع هذا الشرق المثقل بهمومه ومشكلاته وتعدد مواقفه يبحث له عن وجود يساوم عليه، أو يحاول أن يبتز الآخرين في الوصول إليه؛ فليس هناك ضامن سوى المصالح التي هي الأخرى لم تعد مادية، وإنما أصبحت استراتيجية، وعميقة في تبعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية إذا اضطر الأمر لذلك، وهو ما ترك مساحة للاعبين جدد في المنطقة يبحثون فيها عن حضور يعيدون فيه أطماعهم، وفرض هيمنتهم، واستدراج من ينوب عنهم للمواجهة والاستنزاف.
تركيا وإيران وقطر، وأحزاب وتنظيمات أخرى تدور في فلكهم دخلوا في صراع الزعامة على منطقة الشرق الأوسط، وأخذوا من جماعات الإسلام السياسي سبيلاً لغاية أكبر في حسم ذلك الصراع لصالحهم، وتسييس ما يثار فيه إعلامياً على مسرح قناة الجزيرة، وغيرها من القنوات والأقلام التي قبضت بالمال القطري، وتحولت إلى سلعة رخيصة في تسويق ذلك الصراع على أنه مرة سياسي، ومرة أخرى طائفي، وحتماً ليس ثقافياً يتيح لغة من الحوار والمفاهيم المشتركة بين الشعوب وحكوماتهم.
لغة الصراع كانت تحمل دلالات على أن هناك مخططاً كبيراً.. وكبيراً جداً ضد المملكة، حيث كانت إرهاصاته شاهدة على محاولات يائسة للتدخل في الشأن السعودي الداخلي، وإثارة وحدته وصفه المتماسك مع قيادته، وتأزيم المواقف التي تكون المملكة طرف فيها، ولم تكن تك التفاصيل غائبة، أو مغيّبة عن حكومة المملكة، ولكن الذي اختلف هو في التعامل مع الصراع على أنه وسيلة حسم لكل من تطاول، أو حاول أن يمس السيادة السعودية، وليس تفاوضاً أو تأجيلاً للمواجهة تذرعاً أو تردداً؛ ما جعل أطراف الصراع تتفاجأ بمواقف المملكة، وتحاول أن تأخذ منها ردة فعل غير مبررة بعد أن وصلت إلى حالة مستعصية من الاختناق السياسي.
المملكة اليوم؛ وللمرة الأولى في تاريخها تعرّي أطراف الصراع في الشرق الأوسط، وتكشف عن نياتهم، وتتعامل معهم بوضوح وشفافية، وتسميهم بأسمائهم، ومن أعلى المنابر الدولية، وتراهن في مواجهتهم على شعب عظيم أثبتت المواقف والأحداث أنه على قدر الثقة والمسؤولية، وحائط الصد الأول في منع أي تجاوزات أو مثيرات تنال من قيادته، أو وطنه، والشواهد على ذلك كثيرة في الحد الجنوبي، والحرب على الإرهاب، والتصدي للشائعات، والحسابات الوهمية في شبكات التواصل الاجتماعي.
الملك سلمان وولي عهده تحملا مسؤولية تاريخية في الحفاظ على أمن واستقرار المملكة، ورعاية مصالحها، حيث أثبتت السنوات الأربع الماضية على أن هناك دولة عميقة بمؤسساتها وقبل ذلك بشعبها في قطع الطريق على أي تجاوزات من دول أو منظمات أو أحزاب؛ فلم تكن حرب اليمن سوى بداية لتطهير المنطقة من ملوثات الحالمين، والجاهلين بأدوات الصراع مع المملكة، حيث لم يتعلموا من التاريخ ولا الجغرافيا ولا حتى الحضارات الإنسانية الممتدة في شبه الجزيرة العربية؛ من أن هناك وطناً اسمه المملكة العربية السعودية هو أكبر من أحلامهم، وطموحاتهم، وحتماً لن يصلوا إليه وهو ينهض إلى عنان السماء في مهمة تجديد لواقعه، وترميم لمفاهيمه، وتنويع في مصادره، وهو السر الذي رجح كفة الصراع مبكراً.
التعليقات