ليس سهلاً خلال أسبوعين أن تباشر الجهات الأمنية حادثين إرهابيين في أبو حدرية والزلفي وتنجح في مواجهتهما من دون خسائر، وتترك الإرهاب يخسر معركته على الأرض مبكراً، وتقطع الطريق على دول ومنظمات تحاول أن تعيد «الخلايا النائمة» إلى الواجهة..
العمليات الإرهابية التي وقعت في المملكة على مدى عقدين من الزمن وأكثر لم تكن دون فعل خارجي يحرّض عليها، ويمولها، والأسوأ من ذلك يحلم بها مصدراً للفوضى، وانقساماً لوحدة المجتمع وتماسكه، حيث كانت دول ومنظمات وأحزاب وإعلام يخططون ولا يزالون لضرب أمن واستقرار المملكة، ويوظفون أدوات رخيصة ترى في القتل والتدمير نهاية لحياتهم، والتشدد والعنف سبيلاً للوصول إلى تلك النهاية على حساب الآخرين، ومصادرة حياتهم من دون وجه حق.
ورغم كل ذلك؛ تحمل تجربة المملكة في مواجهة الإرهاب فكراً وممارسة رصيداً وافراً من التضحيات، والمنجزات، والتعاون الدولي في مكافحته، وتجفيف منابعه، وتشكيل تحالفاته، والمشاركة الدولية في التصدي لتنظيماته، وأحزابه، وقطع الطريق على مصادر تمويله، وهي جهود لم تعد خافية والعالم يشيد بها، ويحتفي بنجاحاتها، ويستفيد من تطبيقاتها، ويعود الفضل في ذلك إلى رجال الأمن الذين هم على قدر المسؤولية في تحمّل أعباء هذا الملف المثقل بأزماته، وتداخلاته، وعناصره، وأجنداته السياسية، والفضل أيضاً للمواطن السعودي الذي أثبت في جميع المواقف أنه على قدر كبير من الوعي في التصدي لمحاولات الاختراق الفكري، ومشاركاً فاعلاً في الإبلاغ والدعم والإسناد لرجال الأمن.
ليس سهلاً خلال أسبوعين أن تباشر الجهات الأمنية حادثين إرهابيين في أبو حدرية والزلفي وتنجح في مواجهتهما من دون أن يكون هناك خسائر، أو تداعيات خطيرة على أمن المجتمع واستقراره، أو تترك ردوداً دولية تساوم على مواقف تكسبية ومصالحية منها، حيث كانت المهمة التي تم إنجازها باقتدار وكفاءة عالية تشير إلى أن هناك رغبة من الإرهابيين في إحداث صدى، وإحياء لسيرة أولى، ولكن العمليات الاستباقية لرجال الأمن في أبو حدرية، والمواجهة الاحترافية في الزلفي تركت الإرهاب الأجير يخسر معركته في السعودية مبكراً، وتقطع الطريق على من يحاول أن يعيد الخلايا النائمة إلى الواجهة!
السعوديون الذي شاهدوا جثث الإرهابيين بالقرب من مركز مباحث الزلفي لم تعد الصورة بالنسبة لهم توثيقاً لما جرى، أو تفاعلاً لما يجري من أحداث وتطورات جيوسياسية في المنطقة، ولكنه مع ذلك تأكيد على أن هناك رجال أمن يثقون بهم في الحفاظ على أرضهم ومقدراتهم، ويرخصون أرواحهم في سبيل ذلك، وهي الحالة التي لا تتكرر دائماً إلاّ في الجندي السعودي الذي تكون عقيدته أقوى من سلاحه، والشواهد على ذلك كثيرة، ويكفي أن يحتفي الجميع بالإنجاز، ويعلقون في أول ردات الفعل من أن كيد الأعداء مدحور، والوطن آمن، وهي الرسالة التي يكتبها السعوديون بحب وانتماء لأرضهم، وولاء لقياداتهم، فلا يزايد عليهم أحد وهم يدفعون أرواحهم فداء لكل ذلك.
الإرهاب الذي سقط في الزلفي وقبله في أبو حدرية كان يمني نفسه بإعادة موجة الصراع بين الفكر الذي يؤمن به والأمن الذي يريد مواجهته، وتعرية أفكاره قبل سلوكه، وقطع الطريق على هيمنته ونفوذه وسطوته، حيث لم تكن ثقافة الموت التي يحملها الإرهاب سوى نهاية بائسة لعناصره، وهم صرعى على حافة الطريق الذي أرادوا أن يصنعوا منه مسرحاً لبطولتهم، ولكن كانت النهاية متوقعة لكل من يحاول المساس بأمن البلاد واستقرارها، واختباراً جديداً لرجال الأمن الذين كانوا على الموعد، وبذات الكفاءة في أي مكان، وتحت أي ظرف.
المملكة تخوض حروباً على أكثر من صعيد، وتواجه تحديات أمنية وعسكرية وسياسية في المنطقة، وتمضي في مشروع نهضوي تنموي وفق رؤية طموحة، ورغم كل ذلك المجهود الذي يُبذل؛ لن تسمح لإرهاب أجير أن ينال من أرضها وإنسانها، أو يخوض حرباً بالوكالة عن غيره، ولن تسمح مؤكداً أن يكون العنف والتطرف بديلاً عن الحوار والتسامح والتعايش الذي بدأ المجتمع ينطلق معه في صورة طبيعية وحضارية، والأهم إنسانية.
التعليقات