قبل أربع سنوات، أشرف د. ناصر بن دهيم على مشروعات تخرج لثلاثة طلاب من كلية الصيدلة، لم يكن يدرك أن الوصول إلى العيّنة البحثية المطلوبة سيكون أكبر تحدٍ للباحثين! التي كان أهم أسبابها ضعف وعي مجتعنا السعودي بأهمية مشاركة الأبحاث الصحية، وأثرها على جودة النتائج، وبالتالي دقة التوصيات والحلول، ذلك أن السلوك العام يميل إلى عدم الاهتمام بالمشاركة، أو على الأقل عدم الحرص على دقة المعلومات، وكأنما نتائج هذه الدراسة لن تحسن مستوى معيشتنا وتطور من واقعنا.

بعد أشهر من المعاناة، تبنى د. ابن دهيم بالتعاون مع "مدى بسيوني" مبادرة شبابية سعودية للتطوع في مجال الأبحاث الصحية، لم تكن مجرد ردة فعل أو مشروع مؤقت، بل مبادرة ذات أساس علمي، إذ أنشأ نظاما إلكترونيا لإدارة المتطوعين ولجمع المعلومات، ودشنت "شارك" نهاية عام 2015م، وخلال أربعة أشهر فقط اكتلمت العينة البحثية لأول دراسة بجهود الأشخاص الخمسة فقط، وهكذا انطلقت المبادرة أولاً في الجامعة الإلكترونية السعودية، لينضم في بدايتها أربعون طالباً وطالبة من كلية العلوم الصحية كجامعي بيانات، ليضعوا بذرة التطوّع الأولى التي أثمرت وأينعت.

خلال أشهر قليلة، جمعت بيانات خمس دراسات أخرى! إذ أضحى هناك متطوعون متحمسون للعمل، كما سُجل في قاعدة البيانات ألف شخص من المجتمع مستعدون للمشاركة في تقديم المعلومات كنتيجة مباشرة لحملات التوعية بأهمية المشاركة في تقديم المعلومات، ما مكّن المبادرة من أن تتحول مع الوقت إلى تجمُّع يساعد الباحثين على طرح دراساتهم، وجمع البيانات عن طريق متطوعي المبادرة في الميدان، أو عبر قاعدة بيانات الجمهور الضخمة، ومن حسن الطالع أن المبادرة توافقت مع محور "وطن طموح مواطنه مسؤول" في رفع عدد المتطوعين وعدد ساعات التطوع.

ولك أن تتصور أن عدد المتطوعين الشباب وصل هذا العام إلى أربعة آلاف شاب وفتاة، شارك أغلبهم أخيراً في جمع بيانات المسح الوطني الأول لسلوك المستهلك في كل أنحاء المملكة، الأمر الذي يمكّن الجهات الرقابية من تطوير قراراتها التنظيمية، وتحسين تجربة المستهلك خلال التسوق. وكل هذا الوعي أسهم في توفير أكثر من ثمانية ملايين ريال كلفة جمع البيانات، ناهيك عن الأثر الإيجابي في بناء شخصية المتطوع جامع البيانات ومحللها.

الرائع في قصة "شارك" أنها نبعت من حل إشكالية تواجه مجتمعنا، وأن الحل اعتمد على تمكين أبناء الوطن من أن يكونوا عماد الحل، وها هي اليوم "شارك" المبادرة الشبابية السعودية تمسي مركزاً لمساندة الباحثين في جمع بيانات عينات بحوثهم، وتتمدد نحو أشقائنا في الخليح العربي، وكل القصة بدأت بإشكالية واجهت باحثين شبابا، غير أنهم لم يتوقفوا، بل عقدوا العزم على حل مشكلتهم وتمهيد الطريق للباحثين الآخرين، وها هم اليوم يسعدون بما فعلوا في مجتمعهم.