تحملت الدول العربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق واندلاع الثورات العربية؛ واجباتها تجاه أمن واستقرار دولها، والحفاظ على جغرافية أراضيها، واستقلالية قرارها، والتصدي لمحاولات التدخل الخارجي لمكوناتها، إلى جانب مواجهة آليات حروب الجيل الرابع التي تحاول ولا تزال أن تستنزف مجهودها في الحرب على الإرهاب، ونشر الشائعات والتضليل الإعلامي، وتسييس ملف حقوق الإنسان، وإضعاف الروح المعنوية للشعوب، والضغوط العسكرية والاقتصادية.

ورغم كل الواجبات التي التزم بها العرب خلال العقدين الماضيين في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، إلاّ أن الحديث اليوم بعد القمة العربية في تونس هو التمسك بالحقوق العربية قبل تلك الواجبات، وأولها إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وعدم التفريط بمبدأ الجولان أرضاً عربية سورية، وسيادة دولة الإمارات على جزرها الثلاث من المحتل الإيراني.

الملك سلمان يؤكد دائماً على الحقوق العربية، ويزيد عليها دعماً مالياً وسياسياً وإعلامياً، ويعبّر بوضوح عن مواقف المملكة الثابتة والتاريخية من تلك الحقوق، وأولها القضية الفلسطينية، إلى جانب التأكيد على أهمية التصدي لمشروع إيران في المنطقة العربية، وتحديداً في العراق وسورية واليمن ولبنان، والحفاظ على أمن واستقرار ليبيا، والسودان، والجزائر، والخروج من كل ذلك بموقف عربي موحد يرتقي لحجم تلك التحديات، والتهديدات، ويعزز من فرص الأمن والاستقرار والتنمية.

المملكة في كل قمة عربية تثبت أنها العمق الاستراتيجي للعمل العربي المشترك، والمحرّك الرئيس لمنظومته، والفاعل المبادر في توحيد صفه، وتدفع من رصيد علاقاتها ومكانتها وإمكاناتها في مقابل أن يستعيد العرب حضورهم، وتقطع الطريق على أي مشروعات إيرانية تحاول أن تتدخل في شؤونه، أو تؤزم شعوبه، أو تنال من وحدته، وتسعى بحزم وعزم في مواجهة أي مشروعات فوضى جديدة تريد أن تصعد على حساب الأنظمة السياسية الشرعية أو تأجيج الصراع الداخلي بين مكوناتها، كذلك العمل على التنمية الاقتصادية من خلال مشروعات عمل ثنائية ومشتركة في تحريك القوى والإمكانات التي تمنح الشعوب الاستقرار في أوطانهم، وتعزز من ميزان التبادل التجاري، وتتيح فرص واعدة أمام المستثمرين.

قمة تونس بداية جديدة لمرحلة يبدو أن الصورة فيها أكثر وضوحاً بعد المواقف الأميركية المعلنة تجاه إيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وما بينهما مصالح لا ينفرد فيها أحد من دون آخر، أو ينخرط في مجهود ذاتي على حساب المجموع، أو حتى يستقوي بفاعلين غير عرب؛ لخلط الأوراق وتأزيم المواقف بعد كل قمة عربية أو إسلامية!