إدارة الأزمات في أي مجتمع هو فن إدارة توازنات القوى ورصد حركتها واتجاهاتها، والقدرة على التكيّف مع المتغيرات، وتحريك الفعل نحو أجندات تتم تهيئتها لتأخذ طريقها نحو المستقبل، وهي باختصار فن تجنب الوقوع في الخطأ أو تخفيض درجة الخطر؛ لتحقيق أكبر قدر من التحكم والرقابة على الأخطار المحتملة للمنظمة أو المجتمع.
ويمثّل القائد الشخصية الأهم في إدارة الأزمة، من خلال جملة من الإجراءات والقرارات التي يتخذها في منع وقوع الأزمة كلما أمكن "قبل"، أو مواجهة الأزمة بكفاءة وفاعلية وتقليل الخسائر إلى أقل حد ممكن "أثناء"، وتخفيض الآثار السلبية والنفسية التي تخلّفها الأزمة لدى المجتمع أو المنظمة، إلى جانب تحليل الأزمة والاستفادة منها في منع الأزمات المشابهة، أو تحسين وتطوير قدرات المنظمة وأدائها في مواجهة تلك الأزمات "بعد".
التحديات الكبيرة التي تواجه القائد في المراحل الثلاث من الأزمة ويفشل في تجاوزها، أو يتساهل معها، أو يقلّل منها؛ حتماً هي فرصة استثمارية للإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي تحديداً، حيث تنتقل المواجهة من مجرد خبر أو قصة إلى موقف ورأي عام يتشكّل حوله.
القائد الذكي هو من يتعامل مع الإعلام على أنه ليس طرفاً في أزمته أو منظمته أو مجتمعه، وإنما شريك معه في الحل؛ فلا يغيب عن الحضور حتى لا تكون الأزمة ثقة بينهما أو سبباً لإثارة الشائعات حوله، ولا يخرج ليصنع أزمة أخرى مع الإعلام في حديث لا يرقى لمستوى الأزمة وتداعياتها، وهنا تبقى المهمة في تفاصيلها ليست سهلة على القائد حين تحيط به الأزمة وينجح في تجاوزها على مستوى منظمته أو مجتمعه، ولكنه يفشل في إدارتها على صعيد الإعلام؛ لأنه في الحقيقة لا يزال في أزمة قد تكون أكبر.
رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن نجحت في إدارة أخطر أزمة تمر بها بلادها بعد مجزرة الإرهابي الأسترالي الذي قتل 50 مسلماً في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش، حيث أظهرت منذ اليوم الأول من عمر الأزمة تعاطفاً مع رعاياها من الجالية المسلمة هناك، وارتدت الحجاب تضامناً معهم، وتحدثت إليهم بصوت محب وصادق وأمين، وخرجت إلى العالم تندد وتستنكر، وتحتوي مشاعر المسلمين بخطاب مثقل بقيم السلام والتعايش بين الأديان وحرية المعتقدات، كما أظهر الشعب النيوزيلندي تعاطفاً كبيراً مع المسلمين، وارتدت النساء منهم الحجاب، وخرج الجميع إلى الساحات يعبرون عن صوت التعايش مع الآخر، بينما كان الأذان مرتفعاً ومنقولاً في وسائل إعلام نيوزيلندية، كما تفاعلت الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي مع كل ما يحدث، ونجحت نيوزيلندا في تخفيف تداعيات الصدمة، وقدمت نموذجاً في إدارة الأزمات.
التعليقات