العلاقة بين اللغة والقيم في الممارسة الإعلامية والاتصالية لا يمكن الفصل بينها، أو محاولة الخروج عليها، أو حتى التقليل منها، حيث يعوّل على تلك العلاقة في ترميم مفاهيم، وتحديد اتجاهات، وبناء مسارات للتفسير والحكم والتنبؤ للأحداث والمواقف، وبالتالي التعرف على التفاصيل الكامنة في تطورات المعرفة للكشف عن السلوك كمحصل نهائي للفعل وتبريره.
نتذكر جيداً أن ما بين "الرئيس اليمني السابق" و"الرئيس اليمني المخلوع" قُتل علي عبدالله صالح، حيث لم يكن استخدام السابق بديلاً عن المخلوع اعتباطياً في ظرف زمني حسّاس نحو تشكيل موقف جديد، ولم يكن مقبولاً من الحوثي حينها أن يسمح بانقلاب مفاهيمي للغة على انقلابه العسكري الذي تسبب في أزمة حقيقية لليمن.
اللغة الإعلامية غير محايدة؛ لأنها باختصار تحمل معاني ودلالات مختلفة، والأهم توظيفها في سياقات بوصلية لخدمة أهداف الخطاب واستراتيجياته، ونقل توجهات القوى الفاعلة فيه، والتحكّم في مسارات البرهنة وتوجيهها نحو التلوين والتضليل، بينما تبقى القيم (الموضوعية، المصداقية، الدقة) على محك الضغط المتواصل نحو تهيئة الخطاب المثقل بأيديولوجياته لتشكيل الرأي العام من خلاله.
مجزرة الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت (28 عاماً) الذي فتح النار بشكل عشوائي على المصلين خلال صلاة الجمعة في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية وقتل 50 شخصاً وأصاب العشرات؛ أظهرت أن العلاقة بين اللغة والقيم في الممارسة الإعلامية لا تزال رهينة أيديولوجيات متعددة الأهداف، ووجهات نظر تخدم تلك الأجندات بطريقة مستفزة ومكشوفة، حيث ظلت وسائل إعلام عالمية إلى اليوم متحفظة على إطلاق مصطلح إرهابي على مرتكب المجزرة، وتنعته بمنفذ الهجوم، أو القاتل، أو المتطرف، وغيرها من المصطلحات التي تكشف عن لغة منحازة.
نحن على يقين أن الإرهاب ليس مرتبطاً بدين أو لغة أو مذهب أو عرق، وإنما هو فعل مرفوض ومدان أياً كان مصدره، أو تبريره، أو حتى مجرد التعاطف معه، وبالتالي علينا أن نسمّي الأمور بمسمياتها، وننعت المجرم الأسترالي بالإرهابي، وليس مجرد القاتل أو المتطرف للتقليل من جريمته، والهدف حتى لا نسمح لمتطرفين آخرين أن يجدوا فرصة للتكاثر أو تبرير سلوكهم؛ لأن هناك من يكيل بمكيالين.
مهمتنا اليوم أن نقف صفاً واحداً لإدانة الإرهاب، والتصدي لأفكاره، وسلوكه، والداعمين له، والمحرّضين عليه، وأن يتعاون المجتمع الدولي في إقرار عقوبات، وترميم مفاهيم، وبناء علاقات جديدة من التعاون المشترك في التصدي للوسائل التي تغذّيه، كما يجب أن نتمسك بالتسامح والتعايش بين الأديان وأصحاب الثقافات المشتركة، ولا نسمح لأي حدث من هنا أو هناك أن يعيقنا عن الوصول إلى ذلك الهدف الإنساني.
التعليقات