بلا سابق إنذار، اندلعت سجالات جانبية لم تكن في الحسبان، ولم نكن ننتظرها تحديداً في هذا التوقيت والزمان، بين فريقين لا أزكي أحداً منهما على الآخر، ولا أنازعهما على وطنيتهما، ولكل منهما جهوده، إلا أن كلا منهما أصبح يشد حبل الوطنية تجاهه، محاولاً تجريد الآخر من وطنيته وانتمائه الوطني، وهو ما لن يضيف لأي منهما أي مكاسب حقيقية، بل سيخلق لنا حالة من التجاذبات السلبية، التي ستسهم في شق الصفوف وخلخلتها وانقسامها، فالوطنية عندما تصبح محل نزاع وتناحر وإقصاء وتشكيك، فهي معركة خاسرة لا محالة، فحال الوطنية يؤكد أنها متسامحة ورحبة، وتتسع لجميع أبناء الوطن الواحد بكل مذاهبهم واختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية والعقدية والجغرافية.
لهذا سأقف هنا موقف المحايد، وأطرح عتب محب يشاركهما هذا الوطن، وسأبدأ بمن بدأ الصراع بعد "نقد" برنامج فاشل على إحدى القنوات التلفزيونية، الذي صاحبته موجة رفض شعبية واسعة، ما أثار امتعاض بعضهم، واستدعاه لإطلاق تغريدات مستفزة، تقصي الآخر، وتشكك في حقيقته، وتؤلب عليه من باب "الفزعة الفكرية" لصديقهم المخضرم، لتتبعها بعد ذلك موجة متبادلة من الاتهامات، إلا أني توقفت عند التشكيك بالمعرفات، التي لا تحمل أسماءً صريحة؛ حيث إن بعضها مشهود لها بمواقفها الوطنية منذ سنوات من دون أي تقلب يذكر، كما في بعض حالات أصحاب المعرفات الصريحة والمعروفة، لهذا فإن المقايسة بهذا المنظور مجحفة بحق كثيرين ممن لم تسمح لهم ظروفهم بكشف أسمائهم الصريحة؛ لاعتبارات متعددة قد تمنعهم من التصريح بها، كما أن هذا لا يمنع من التوافق مع بعض طرحها الفكري والوطني، ورفض بعضه الآخر، كما هو الحال مع أي فريق آخر، فالأمر تكاملي ولا يحتكره أحد، فما يعنينا أهداف الطرح وأبعاده وإيجابياته، لا صاحبه وتوجهه الفكري، إذا كان الهدف مصلحة الوطن العليا، وهذا بالطبع لا ينفي وجود معرفات مجهولة مشبوهة تنسل بيننا لبث سمومها.
أما الفريق الآخر فعتبي عليه يكمن في غرقه الدائم في الصدامية مع بعض أفراد المجتمع، والتشكيك المستمر في رجوعهم إلى الحق بعد انكشاف التضليل والتزييف وظهور حقيقة المؤامرات والدسائس والاستهداف من الخلايا والعملاء، في حقبة زمنية اختلطت فيها كل المفاهيم، وغاب عنها المنطق ضمن لعبة سياسية استخباراتية دولية قذرة، وهذا لا يعني عدم وجود مندسين وأصحاب هوى حزبي متخفين بيننا، والأمر يستدعي فضحهم وردعهم بقوة، إلا أن التعامل بمسطرة واحدة مجحف ومؤذٍ في حق من استوعب اللعبة متأخراً وعاد إلى رشده، لهذا أقول للمتنازعين على الوطنية: أوقفوا معركتكم الخاسرة، وعودوا من فوركم إلى خندق الوطن، فمعركته الكبرى لم تنتهِ بعد، فالوطنية الحقيقية هي أن تلملم جراحك لئلا يُجرح الوطن.
التعليقات