نظرتنا للعالم (مثل بصماتنا) لا تـتشابه مع غيرنا مهما ادعينا.. لا يمكننا حتى نحن رؤيتها والتعبير عنها بمعزل عن الثقافة والبيئة والقوقعة التي نشأنا داخلها.. تعلمت أنا ذلك بفضل ثلاثة عقود من الكتابة اليومية ومتابعة ردود القراء المستمرة، فالناس لا يتقبلون الكاتب (ولا حتى يتقبلونك أنت) اعتماداً على المنطق أو الأدلة التي يقدمها (مهما كانت صحيحة وواضحة) بـل من خلال مبدأ "هل هو معنا أم ضدنا؟".. يتقبلونه أو يرفضونه بحسب مسافة اقترابه أو ابتعاده عـما ألفوه ونشؤوا عليه وظنوه حقيقة مطلقة!
آراؤنا ونتائج تفكيرنا هـي في النهاية (محصلة) لمؤثرات عميقة ولا واعية لا يدركها معظمنا.. محصلة لـثقافة وبيئة ودوافع توجهنا لـتبني آراء وأفكاراً نعتقد أنها فرض عين على الجميع. نادراً ما يخطر ببالنا احتمال تـشوه قراراتنا ونظرتنا للعالم من خلال الموروث والسائد والأفكار المقولبة وتجاربنا المشوهة (وليس العكس).
المشكلة ليست في تنوع شخصيات البشر واختلافاتهم الفكرية؛ بـل في محاولة كل فرد احتكار الحقيقة والصواب، ناهيك عن فشل كل طرف في اكتشاف نقاط تفرده وأسباب اختلافه عن الآخرين.. كل فرد (إلا من رحم ربي) يعتقد أنه فريد عصره ووحيد زمانه والمرجع الوحيد فيما يختلف عليه الناس ويخفى عليهم أمـره.. مشكلة البعض (التي يراها الجميع إلا هـو) قناعته بأن ما توصل إليه بعد ما يظنه تفكيراً واعياً وعميقاً هو الصحيح والسليم وما لم يسبقه إليه أحد من العالمين.
يجب أن ننطلق من اتفاقنا على وجود فرق بين (الحقيقة المطلقة) وما يعتقد كل إنسان أنه حقيقة مطلقة.. فنظرتنا للعالم شخصية وذاتية أفرزتها مؤثرات عميقة ومتقاطعة لا نعيها غالباً.. مؤثرات لم نخترها معظمها بإرادتنا، ولكنه انتهت بنا إلى تبني رأي موروث ومكرر - يفترض بالجميع الالتزام به.. نادراً ما يخطر ببالنا أن قراراتنا ونظرتنا للعالم هي التي تـشوهت بسبب ظروف ومفاهيم وأفكار ضيقة تحيط بـنا (وليس العالم هو الذي تشوه).
ولأن البشر نادراً ما ينجحون في مغادرة أنفسهم (ليروا العالم من الخارج بشكل غير متحيز) أعتقد أن أول متطلبات الخروج بالرأي النزيه والقرار الصائب هو الاعتراف بتعرضنا المسبق لكافة أنواع المؤثرات الضيقة.. الخروج أولاً من قوقعة الماضي والمعتاد والمسلم به، والاعتراف بأننا (محصلة نهائية) لظروف اجتماعية وثـقافية ونفسية أعقد مما نتصور.
فـقـط حين نعترف بهذه الحقيقة، يصبح همنا الأول ليس الدفاع عن آرائنا الخاصة، بـل التأكد من أننا لم نخدع أنفسنا ونتبنى آراء تم تشكيلها مسبقاً.. نصبح مهيئين للانتقال من مرحـلة (لماذا) لا يفعلون ذلك إلى (كيف) نتفهم بعضنا ونصبح أفضل من ذلك؟
1
ابن من سجدت له الملائكة
2019-02-28 09:53:36ولكن يا استاذي كما تقول ينطبق على ما تقول فرأيك هذا ليس حقيقة مطلقة ، فأنت وقعت في معضلة فكرية .
لكن ليس كل شيء نسبي فهناك اشياء مطلقة لا يختلف عليها عاقلان وهناك ثوابت مطلقة تحكم الجميع وتحكمهم .مثلاً : القرآن والسنة ،
2
محمد حمدون
2019-02-26 11:05:56نظرية الدكتور البليهي تنص على أن العقل يحتله من سبق، هنا أتساءل لماذا منحنا الله عينان؟ بإعتقادي كي نرى العالم بمنظور أعيننا وليس بأعين الآخرين، والحل بنظري: هدم جميع المفاهيم، وبناء مفاهيم جديدة وواقعية، والفصل التام بين الماضي والحاضر.
3
الاب الرحيم
2019-02-26 07:45:07اذا كنا جميعا معرضين للتأثير والجميع لديه قناعه ذاتيه أنه من عنده الحقيقه (الحقيقه الشخصيه ) فكيف نعرف الحقيقه المطلقه وخاصة في المفاهيم والمعتقدات أما العلم التجريبي فهو فقط من لديه الحقيقه المطلقه