نجح ولي العهد خلال جولته الآسيوية لباكستان والهند والصين في أن يمنح المملكة عمقاً استراتيجياً جديداً في نوعية الشراكات والمشروعات والمفاهمات السياسية، حيث لم يكن الخطاب عن الماضي، أو مصالح الحاضر، ولكن كان عن المستقبل، وهو الرهان الذي تتسابق إليه الأمم، وتؤسس له منذ وقت مبكر، من خلال تحالفات تصنع الفارق عبر الزمن، وتقرأ المشهد الذي سيكون عليه الحال ليمضي الجميع في موكب واحد.

الأمير محمد بن سلمان في جميع لقاءاته مع زعماء ومسؤولي الدول الثلاث كان يتحدث عن المستقبل بلغة مصالح ذات عائد اقتصادي أكثر منها سياسي، وهي اللغة التي تفهمها الشعوب قبل الحكومات عل أساس من التقارب، والمشاركة، والاستثمار المتبادل، ومؤشر مهم على أن المملكة تقف على أعتاب مرحلة جديدة، تحتاج فيها إلى تحالفات تتحدث بلغة الأرقام، وليس فقط بلغة تاريخ تعاقبت عليه أجيال، وربما قد تتغيّر معه قناعات، أو ترتبك معه توجهات في أوقات الأزمات.

ولي العهد في كل اجتماع أو مناسبة كان يستدعي الأرقام لتعبّر عن العمق الجديد في العلاقة مع المملكة، حيث يرى فيها مصالح دول وليس حكومات قد تتغيّر بين وقت وآخر، ثم الأهم مستقبل أجيال تتعاقب على رصيد وافر من المصالح ذات العائد الذي ينمو مع الزمن؛ ليكون الفارق لمصلحة تلك الأجيال ليستمر العمل من دون توقف.

الصدى الإعلامي والشعبي والرسمي الكبير الذي وجدته زيارة الأمير محمد بن سلمان في الباكستان والهند والصين، وحفاوة الاستقبال، وجدول الأعمال؛ كل ذلك مؤشر على أن هناك ثقة بالمملكة وقيادتها ورؤيتها الطموحة، ورغبة مشتركة من هذه الدول لتكون المملكة على قائمة الدول التي تتوجه إليها استثماراتها، ومشروعاتها، ونقل تقنياتها، والأهم البناء على ما تحقق من منجزات ليكون محرّكاً جديداً لما سيتحقق على المدى البعيد، خصوصاً في إضافة عائد للمحتوى المحلي السعودي.

توجه المملكة إلى الشرق ليس جديداً، ولكن الاختلاف بعد زيارة ولي العهد أنه سيتم الاعتماد عليه أكثر في رسم خريطة التوازنات السعودية المقبلة؛ فلا الغرب منفرداً ولا الشرق متأخراً، وإنما الجميع في مهمة حديث عن مصالح مشتركة، ولغة أرقام دقيقة، كذلك هناك جانب آخر مهم وهو أن رؤية المملكة 2030 أصبحت المحرّك الحقيقي لذلك التوازن، حيث فرضت مفاهيم مختلفة في جدوى الاستثمار، وعلاقات متعددة في استيعاب تلك التطورات، وقراءة مستقبلية للتحالفات الاستراتيجية.

قرار اعتماد اللغة الصينية لغة ثانية في مناهج المدارس والجامعات السعودية إحدى أهم القراءات المستقبلية التي تعبّر عنها رؤية المملكة، وتعبير واضح عن التوازن بين الشرق والغرب في المصالح السعودية المقبلة.