من كان يُصدق أن ذلك العامل السعودي الصغير الذي قصد برادة الماء في يوم شديد الحرارة ليروي عطشه، ولكنه بمجرد أن قرّب الكأس من فمه، سمع من ينهره من خلفه ويقول له بكل غلظة: أنت عامل ولا يحق لك الشرب من الخدمات الخاصة بالمهندسين، فامتزج العطش بالمهانة في نفس ذلك الشاب وقرر في تلك اللحظة أن يفعل المستحيل ليكون مهندساً لكي لا تتكرر له هذه الإهانة مرة أخرى، وبدأ بالدراسة الليلية وحصل على شهادة الثانوية وابتعث لأميركا وحصل على بكالوريوس في الهندسة وتدرج في العمل إلى أن تم تعيينه كأول رئيس سعودي لشركة أرامكو، ثم عين فيما بعد وزيراً للبترول والثروة المعدنية ورئيساً لأرامكو في العام 1995.

يُعتبر المهندس علي النعيمي إحدى أهم الأيقونات الإدارية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وأحد الرموز العصامية الملهمة الذي بدأ من الصفر ولكنه نقش اسمه خالداً في سجلات المجد الوطني.

ولد علي بن إبراهيم النعيمي في العام 1935 بقرية الراكة في شرق المملكة، بعد أربع سنوات فقط على تحميل أول شحنة من الزيت الخام تصدرها المملكة على متن ناقلة للعالم الخارجي وذلك في الأول من مايو 1939، ليبدأ عهد جديد لوطن تنتظره مواعيد الألق.

في طفولته المبكرة، تنقل علي بين العديد من الأماكن والمناطق. في البداية، تعلم في الكتّاب، وفي العام 1945 وباقتراح من أخيه الأكبر الذي كان يعمل في شركة أرامكو، انضم للشركة والتحق بمدرسة «الجبل»، وهي من أولى المدارس التي بنتها شركة أرامكو في الظهران.

لم يكن يومه الدراسي الأول عادياً، بل هو أشبه بصدمة حضارية لفتى بدوي آت من الصحراء، يسمع كلمات إنجليزية لأول مرة في حياته. مشهد سكن ذاكرته للأبد: «رأيت ذاك المعلم الأميركي، بلحيته الكثة الحمراء يشير إلى السبورة، والجميع يُردد this is a fox، فقلت مثل قولهم، وتلك هي الطريقة التي بدأ بها الجميع تعليمهم».

في عمر الثانية عشرة، بدأ علي بن إبراهيم النعيمي مشواره العملي بشركة أرامكو، يعمل مراسلاً مقابل 3 ريالات في اليوم، ثم أصبح ناسخاً على الآلة الكاتبة، ثم موظفاً في ضبط الحسابات وشؤون الموظفين، وكان يعمل في النهار ويدرس في المساء حتى أنهى الثانوية العامة.

ولكن طموح ذلك الشاب الذكي، كان أكبر بكثير من مجرد وظيفة بمرتب بسيط جداً. في العام 1956، اشترك في برنامج التدريب العالي للشركة، وابتعث للجامعة الأميركية ببيروت، وانتقل منها إلى جامعة ليهاي بولاية بنسلفانيا الأميركية، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الجيولوجيا العام 1962، وبعدها بعام نال درجة الماجستير في علم المياه الجوفية من جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأميركية.

بعد عودته من الدراسة في أميركا، بدأ نجم المهندس علي النعيمي بالصعود، وتقلد العديد من الوظائف والمناصب والمهام بشركة أرامكو. وفي العام 1983، عُيّن رئيساً لشركة أرامكو، وهو أول رئيس سعودي لهذه الشركة النفطية العملاقة منذ تأسيسها العام 1933، وبعد سبعة من الرؤساء الأجانب.

وفي العام 1995، غادر المهندس علي النعيمي شركة أرامكو بعد ستة عقود من العمل والكفاح والمسؤولية، ليصبح وزيراً للبترول والثروة المعدنية، ورئيساً لمجلس إدارة أرامكو، ورئيساً لمجلس أمناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

وبعد أكثر من ستة عقود من العمل في العديد من المهام والوظائف التي ساهمت في تنمية الوطن، يُكمل المهندس علي النعيمي حياته بعيداً عن صخب العمل وجدول الاجتماعات وروزنامة اللقاءات، في القراءة والرياضة وإلقاء المحاضرات التحفيزية الملهمة.

وقد حصل المهندس علي النعيمي على عدّة جوائز تكريم أبرزها جائزة «الريادة في الإنجاز» والممنوحة له من قبل مجموعة الاقتصاد والأعمال العام 2007، كما تم منحه جائزة دوهرست في مؤتمر البترول العالمي والذي عقد في مدريد العام 2008، وقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - بمنحه وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الثانية العام 2009 بمناسبة افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، كما منحته جامعة بكين في جمهورية الصين الشعبية درجة الدكتوراه الفخرية العام 2009، ومنحته جامعة العلوم والتقنية AGH في مدينة كراكوف البولندية درجة الدكتوراه الفخرية العام 2011، كما أطلق اسمه على أحد الشوارع القريبة من مصفاة النفط الكورية نظير إسهامه في رسم صورة مشرّفة لوطنه، وفي العام 2016 أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - بأن يُطلق اسم المهندس علي النعيمي على أحد الشوارع المتجهة لشركة أرامكو تقديراً لجهوده العظيمة في خدمة وطنه.

وقد كُتب عن المهندس علي النعيمي الكثير من الدراسات والتقارير والمقالات التي تناولت سيرته الملهمة، كما صدر له في العام 2016 كتاب من تأليفه حمل عنوان «من البادية إلى عالم النفط» يروي فيه تجربته الإنسانية والعملية الملهمة.