لم يكن الرابع من نوفمبر 2017 تاريخاً عابراً في ذاكرة السعوديين وهم يتلقون خبر تشكيل لجنة عليا للتحقيق في قضايا الفساد برئاسة ولي العهد، واستدعاء أسماء كبيرة للمرة الأولى يمثلون أعلى السلم للتحقيق معهم، واتخاذ كافة الضمانات والإجراءات القانونية بحقهم تحت إشراف النيابة العامة، حيث كان بيان اللجنة في تلك الليلة تحولاً جديداً في التعاطي مع ملف الفساد في المملكة، وثقة أكبر من المواطنين من أن قيادتهم عازمة وحازمة على المواجهة مهما كان الثمن.
إعلان انتهاء أعمال اللجنة بعد اتخاذ إجراءات الاستدعاء والتسوية وإخلاء السبيل والإحالة والمحاكمة، فضلاً عن استعادة 400 مليار ريال لخزينة الدولة في مدة زمنية لم تتجاوز 15 شهراً؛ هو بحد ذاته إنجاز كبير، وغير مسبوق، وفي الوقت نفسه يبعث برسالة مهمة من أن أعمال اللجنة انتهت، ولكن الدولة مستمرة في حماية النزاهة ومحاربة الفساد بكافة أنواعه وصوره، إلى جانب تحميل المؤسسات الرقابية الأخرى مسؤولية القيام بأعمالها، حيث ارتفع السقف عالياً، ولكل كائن من كان، ولم يعد هناك تحوطات أو حالة تردد لكل من يثبت عليه تهمة فساد، وكما أكد على ذلك ولي العهد: "لن ينجوَ أحدٌ".
المؤشرات الإيجابية التي تركتها لنا اللجنة بعد انتهاء أعمالها هي أن ملف الفساد لن يتضخم مجدداً، ولن يجرؤ أحد أن ينال من المال العام مهما كان اسمه أو منصبه، ولن يكون لأحد حصانة أمام قوة الدولة وتطبيق النظام، إلى جانب رفع مؤشرات المملكة عالمياً في مكافحة الفساد؛ بما يمنحها مكانة وقوة وتقديراً دولياً، وهو ما تحقق بعد إعلان منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد (CPI) للعام 2018م، وصنّف المؤشر المملكة في المرتبة (58) عالمياً من أصل (180) دولة، والمرتبة (11) بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية.
ولكن أهم مؤشر تركته اللجنة هو تحويل المواطن إلى شريك فاعل في مواجهة الفساد، والإبلاغ عنه، وتوفير ضمانات كافية لحماية المبلغين، حيث ارتفعت بلاغات المواطنين إلى أكثر من 30 % في العام 2018، وهو ما يعزز دور المواطن ووعيه ومسؤوليته أيضاً في أن يكون عيناً للوطن للحفاظ على ثرواته، إلى جانب تفاعل المؤسسات الحكومية في الاتصال والتواصل مع هيئة مكافحة الفساد والجهات الرقابية الأخرى؛ فلم يعد هناك مجال لحسن النيات بعد اليوم أمام اجتهادات فردية، أو تجاوزات شخصية أو مالية، أو حتى نظامية، بل الجميع في مهمة البعد عن الشبهات، أو التأويلات، وهو الأثر العميق الذي تركته اللجنة داخل مؤسساتنا.
التعليقات