وصلت الرسالة التافهة الصغيرة من دولة كنا نظنها كبيرة، قبل أن تنخرط في مكايدة سياسية مكشوفة، ضحيتها طفلة في مشهد صبياني يسقط ورقة توت جديدة عن عورة إنسانية الغرب التي كنا في أمس الحاجة لها في العراق وسورية وفلسطين..

يومًا بعد يوم تسقط أقنعة إنسانية الغرب التي طالما خدعنا بها نحن العرب وتُيِّمْنا بها وتناقلنا قصصها في مجالسنا ونحن نزفر زفرات رثاء حارة لحرماننا منها في مجتمعاتنا، حتى أن بعضاً منا تمنوا في دواخلهم لو أنهم كانوا مواطنين غربيين، وآخرون انتقلوا بالفعل للحياة في الغرب وحملوا جنسياتهم.

لكن العقود الأخيرة التي شهدت سقوط قائمة من الدول العربية والإسلامية وترديها في هاوية الفوضى والحرب الأهلية، سواء تحت قصف أسراب الطائرات والبوارج الغربية أو بمباركة قادة الغرب، شهدت أيضاً سقوط قناع إنسانية الغرب المزعومة، الإنسانية التي اختص بها الغرب شعوبهم، في حين لا يهتز لهم طرف وأطفالنا يذبحون ويحرقون وتهدم عليهم البيوت ويهجرون من أوطانهم مع أسرهم منهم من ابتلع البحر جثثهم، ومنهم من لفظ جثثهم على الشواطئ، وآخرون في عراء الحدود بين دول الجوار.

كم كان مثيراً للرثاء والأسف أن تستقبل وزيرة الخارجية الكندية شخصياً الفتاة (الطفلة بمعايير اليونسكو) السعودية الهاربة من أهلها، مستغلة الحالة الإنسانية لإدارة مكايدة سياسية مع المملكة في ظل العلاقات المتوترة بين البلدين، في مشهد توظيف سياسي واضح لأزمة يفترض أنها إنسانية.

كم كانت مزايدة بائسة من النظام الكندي على بلادنا التي تعرف جيداً كيف تحمي صغارها، وتكفل لهم الملاذ الآمن من عنف أسرهم، إن ثبت، عبر أكثر من مؤسسة مهمة لديها صلاحيات واسعة، بعضها يتبع لولي الأمر شخصياً، وعبر نظام محكم من القوانين يجرم العنف، ويكفل للجميع حقوقهم صغاراً وكباراً.

وصلت رسالتكم يا معالي وزيرة الخارجية الكندية، وشاهدنا ابنتنا بقميص مطبوع عليه شعار دولتكم على شاشات الفضائيات، وعلم العالم كله أن كندا بطلة مشهد الحرية المضحك، وصاحبة النصر التافه، في معركة الطفلة التي نعلم جميعاً أن حضن بلادها كان أولى بها، شأنها شأن جميع بناتنا اللائي يتمتعن بالحرية والحماية الكافيتين للنجاح والإبداع والتحقق في كل موقع من مواقع التعليم بجميع مستوياته وجميع المواقع الوظيفية والنيابية، كما نرى ويرى العالم اليوم.

وصلت الرسالة التافهة الصغيرة من دولة كنا نظنها كبيرة، قبل أن تنخرط في مكايدة سياسية مكشوفة، ضحيتها طفلة في مشهد صبياني يسقط ورقة توت جديدة عن عورة إنسانية الغرب التي كنا في أمس الحاجة لها في العراق وسورية وفلسطين، لكن القوم ليس لديهم وقت لشعوبنا، القوم مشغولون بالطفلة الصغيرة الشاردة.

لكن ربما أنها الضارة النافعة، كما يقولون، فلعلها فرصة لشعوبنا لتكتشف إنسانية الغرب وتعرفها من واقع التجربة، فها هي ذي كندا واحدة من الدول التي تتشدق ليلاً ونهاراً بالإنسانية، وتزايد على مواقف بلادنا إلى حد الجرأة على سيادتها الوطنية بطلب الإفراج عن شخص مسجون بحكم قضائي، تدير معركة دعائية رخيصة من أجل أن تنسب لنفسها بطولة حمقاء.

إن حال كندا وغيرها كثير في دول الغرب أشبه بحال الطالب المتواضع المستوى الذي يهرول إلى السؤال السهل في ورقة الاختبار، والذي ربما لا يعرف غيره، لكن الإجابة عن سؤال سهل من فئة الطفلة الصغيرة التي شردت من أهلها أو إيواء أشخاص يدعون أنهم معارضون، في حين أن الأسئلة الصعبة الكثيرة التي تنتظر معالي وزيرة الخارجية الكندية ودولتها تنتظرهم هنا في الشرق الأوسط؛ ملايين العراقيين تسبب أصدقاؤكم الغرب في دمار بلدهم وتشريدهم وإفقارهم وتحويل وطنهم إلى ساحة حرب أهلية مفتوحة، لم يحصلوا على إدانة من دولة كندا الإنسانية العظيمة للدول التي تسببت في هذه الكارثة الإنسانية.. مئات الآلاف من القتلى السوريين واللاجئين يقف العالم مكتوف الأيدي أمام مأساتهم الإنسانية، والمسؤولون عن قتلهم وتشريدهم معروفون، لكن عين كندا العظيمة والغرب العظيم لا ترى في سوريا إلا الدواعش، وكأن بيت الأسد كانوا حمائم سلام تحط على أغصان زيتون سوريا، وفي الوقت الذي يذبح فيه السوريون منذ أعوام من دون أن تدعو كندا قادة الغرب العظام لرفع سكين إيران وبيت الأسد من فوق أعناقهم، نجدهم جميعاً يهجمون هجمة رجل واحد على معمر القذافي ليسهلوا مهمة قادة الفوضى التي لم تهدأ في الشقيقة ليبيا حتى الآن.. ثم تأتي رئيسة الوزراء الكندية لتحقق هذا النصر الرخيص على حساب طفلة مسكينة.