لم تكن قصة رهف الفتاة البالغة من العمر (18) عاما والتي تناقلتها وسائل قنوات التواصل وتفاعل معها الكثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية بتلك الحالة التي يمكن لنا أن ندرجها ضمن البحث عن رغبة في التخلص من القيود المجتمعية والأسرية، فالحقيقة أن هذه الفتاة هي وجه حقيقي لاستهداف المرأة السعودية التي كانت وما زالت هدفاً دوماً يثار حوله القضايا وتتسع معه الموضوعات، لاسيما تلك الموضوعات المتعلقة بالحقوق.
وعلى الرغم من أن الوطن اليوم يمنح تلك الحقوق وذلك الطريق المفتوح على مصراعيه أمام الفتاة السعودية أن تسابق مثيلاتها في مختلف العالم في العلم والابتكار والعمل والتطور إلاّ أنها تبقى أيضاً محل استهداف، خاصةً حينما ينطوي ذلك الاستهداف على تأليب لمفهوم الحقوق التي يجب أن تحصل عليها على غرار مثيلاتها من النساء في عالم لا يندرج تحت المفهوم الديني العقائدي الذي تربت المرأة عليه في وطنها، والذي شرفها الله سبحانه بأن خصها به، فزرعت تلك الحملات التي تستهدف الوطن أولاّ ثم الدين ثانياً التشكيك بداخل ضعفاء الأساس ممن أصبحن ضحية يجاهرن بالإلحاد عبر قنوات التواصل الاجتماعي ويحدثن العالم عن القيود المجتمعية وعن الرجعية غير الحقيقية في مقابل إغراءات ساذجة لا تثقل كفة الميزان لدى العقلاء، فالدين والوطن والأسرة هم الثالوث الذي لا يمكن خسارته وهو ما يبحث عنه الغرب حتى في ظل تلك الحضارات الشاهقة والعظيمة، فأين يكمن الخلل؟ ولماذا الإلحاد والمجاهرة بنقض العقيدة الدينية إذا ما كان الإسلام هو الأمن الحقيقي الذي حفظ للمرأة كرامتها وحقوقها وجعل منها ملكة في مجتمعها؟ وكيف لنا اليوم كمؤسسات متخصصة وكأسرة واعية وكأفراد ينتمون لوطن واحد أن نعمق من المبادئ الراسخة التي لا تقبل التشكيك في الدين أو الوطن؟
الأسرة مطالبة باستخدام طرق جديدة في التربية للحد من خطر الانفتاح التقني مع وجود المراقبة
تدابير احترازية
يرى د. محمد الشنقيطي -عميد كلية العدالة بجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية- أن مسألة الغزو الفكري والعقدي مسألة معقدة مرجعها في الأساس إلى المنزل والمدرسة والشارع، وهنا لا بد من مراجعة هذه الثلاثية؛ لأنها مشتركة جميعاً في تشكيل مفاهيمنا وحياتنا، مضيفاً أن المشكلة لم تأتِ بشكل عفوي، فوسائل التواصل الاجتماعي -للأسف- سيل جارف، فإذا لم يكن هناك أساس متين موجود في المنزل منذ البداية يحافظ على أبنائه مع التنبه لمدخلاتهم ومخرجاتهم فإن ذلك سيشكل خطراً كبيراً، على الرغم من أن حدوث مثل هذا شبه مستحيل في ظل هذا التنوع التواصلي، لذلك لا بد من مضاعفة الجهد في التعامل مع الأبناء، فالجهد الذي كان يستخدم في السابق لم يعد كافياً اليوم، مبيناً أن الأسرة تحتاج إلى عقول جديدة للتعاطي مع الأبناء، فالمشكلة حينما يربي الوالدان بذهنيتهم القديمة التي تربوا هم عليها، مشيراً إلى أن مثل هذه القنوات المفتوحة تشبه الثمار المختلطة بالشوك، فالاستفادة منها حالة صحية، لكن لا بد من وضع تدابير احترازية قوية، وهذا يحتاج إلى مضاعفة التركيز على التعليم وعلى المنزل وعلى الشارع.
وتأسف أن المراهقين قد يعيشون حالة الانفصال في الشخصية، فما يعيشونه بداخل المنزل يختلف عن ذلك الذي يتعلمونه في المدرسة، وكذلك الاختلاف في الشارع، فيشعر بعدم وجود الانسجام بين هذه النواحي، لذلك فالأسرة في حال شعرت باختلال ابنتها أو ابنها عليها أن تلجأ إلى المختصين في ذلك لمساعدتها على التغلب على المشكلة بربط الجهد مع المدرسة، مؤكداً على أن الجميع عليه أن يتضافر في ذلك، فالدولة اليوم بذلت الجهد لتوفير إمكانات تطوير الفرد لكن ليس عليها بمفردها توجيه الفرد.
قلب هش
وأوضح د. الشنقيطي أن وجود زعزعة لدى المراهق أو المراهقة في العقيدة والدين إنما ينطوي علاجه على عدة دوائر متداخلة؛ أولها يتم فيها اللجوء إلى خبير في علم النفس مع مراعاة الظروف الخاصة التي تربى فيها كل فرد، إلاّ أنها في النهاية تدخل ضمن الإشكالية الكبيرة، مضيفاً أن الوقوع فريسة للتشكيك في صحة الدين والمعتقدات الإيمانية مشكلة كبيرة يجب أن لا يقع فيها الأبناء؛ لأنه صعب جداً الرجوع عنها في حال حدثت وتم اختراق المراهق في عقيدته ودينه من قبل تلك الحملات الموجّهة في الخارج، مبيناً أن سهولة تغيير معتقدات الأبناء من خلالها تدل على أن القلب هنا هش ومريض، وهذا ناتج عن هشاشة في التربية وفي ترسيخ الدين في النفس، مبيناً أن النفس إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فالقضية قضية عدم شغل الفراغ بداخلهم، متأسفاً أن قنوات التواصل أصبحت تملأ هذا الفراغ، لذلك على الأسرة أن تستخدم تقنيات معينة للحد من خطر هذا الانفتاح التقني مع وجود المراقبة وقبل ذلك تربية دينية سليمة.
هجمة شرسة
وتحدث د. سليمان قاسم العيد -عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود والمشرف على كرسي الملك عبدالله للحسبة وتطبيقاتها المعاصرة- قائلاً: إن المرأة المسلمة والسعودية بالأخص تتعرض لهجمة شرسة لزعزعة إيمانها وتزهيدها في وطنها وولاة أمرها، ولاشك أن أعداء هذا الوطن كثيرون يريدون النيل منه والإساءة إليه، والتفريق بين شعبه وولاة أمره، وربما اعتقد الأعداء أن النيل من المرأة السعودية طريق سهل وسريع لتحقيق غاياتهم، ونسوا أنها في هذا البلد المبارك نالت من المكانة والتقدير والاحترام والإكرام مالم لم تنله المرأة في البلاد الأخرى، وذلك أن المملكة تحكم بشرع الله، ولا شريعة في الدنيا تعطي المرأة حقها وتحفظ لها كرامتها، غير شريعة الإسلام، وفي الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، مضيفاً أن هذا البلد -بحمد الله- ينعم بالرخاء والأمن، والمرأة فيه آمنة مطمئنة على نفسها وبيتها، وعندها من نعم الله ما تفتقده كثير من نساء العالم، وهذه المكانة للمرأة السعودية حسدها عليها أعداؤها، وأرادوا تجريدها منها، مشيراً إلى أن من أبرز الوسائل التي يسلكها الأعداء في النيل من المرأة، تزهيدها في دينها وتشكيكها في عقيدتها، فإن ضعفت عقيدتها، وتنازلت عن شيء من دينها، سهل اصطيادها والنيل منها، والتدرج بها في طريق الشر، إما إن كانت عقيدتها راسخة، متمسكة بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ففي هذا الحال لن ينالوا منها شيئاً.
تكامل المسؤوليات
وأوضح د. العيد أن من وسائل الأعداء في النيل من المرأة السعودية تشويه وطنها وولاة أمرها في نظرها، وفي المقابل تزيين الأوطان الأخرى وتحسين صورة المرأة الأجنبية في عينها، وذلك من أجل أن تزهد المرأة السعودية في واقعها، وما هي فيه من خير ونعمة وإكرام، وتبحث عن وطن آخر ومجتمع مختلف، ظناً منها أن ذلك أفضل مما هي فيه، لكن في الحقيقة أنها تترك الكرامة والأمان، وتذهب بنفسها إلى الذلة والمهانة، مضيفاً أن مواجهة هذه الهجمة تتطلب تحمل المسؤولية من قبل الأهالي والإعلام المحلي والمؤسسات التربوية وهي مسؤوليات كبيرة تتكامل فيها الجهود ولا تتناقض، وذلك في التأكيد على الفتاة المسلمة التمسك بدينها والاعتصام بكتاب ربها وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالاعتصام بالكتاب والسنة عصمة من الضلال، قال عليه الصلاة والسلام: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي"، وكذلك غرس حب الوطن وولاة الأمر في قلوب الفتيات، والتأكيد على أن ما تناله المرأة في هذا الوطن لن تجده في أي بلد آخر، ومن ذلك إبراز الصور السلبية للمرأة في المجتمعات الأخرى، حتى لا تنخدع الفتاة المسلمة بما يزينه لها دعاة الضلال، مُشدداً على ضرورة أن تتحمل وسائل الإعلام المسؤولية في عدم تحسين صورة المرأة الأجنبية وأنها المنتجة والعاملة والحرة والفاعلة في المجتمع، وأن المرأة المسلمة عاطلة ومحرومة ومسلوبة الحقوق، بل يجب التركيز على أن المرأة المسلمة السعودية هي التي تقوم بدورها الحقيقي في هذه الحياة، وأنها هي الحرة وهي المكرمة ومحفوظة الحقوق.
وعي متزن
وأكد د. مازن عبداللطيف البخاري -رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة- على أن من أبرز المعلومات المغلوطة والتصورات الخاطئة التي يرسمها هؤلاء المضللون في ذهن الشاب الضحية أو الشابة الضحية حول قضايا معينة، سواء فيما يتعلق بالذات الإلهية أو مسائل القضاء والقدر ووجود الشرور والظلم في المجتمع المحافظ، أو غير ذلك، مضيفاً أن أصحاب الفكر الضال يحاولون اللعب بالجانب النفسي والشخصي للضحايا وهي كثيرة؛ مثل الإفراط في تقدير الذات، ومحاولة إشباع رغبة الضحية بإيهامه بالشعور بأنه الأفضل، وأنه فوق الناس في عقله وذكائه وعبقريته، وأن الناس دونه، فيجد في الإلحاد وسيلة لإشباع هذه الرغبة، محاولاً إقناع نفسه بأنه قمة العبقرية والنخبوية، وأنه لا يبلغه إلاّ أصحاب العقول الفريدة، وأنه منهم، وأن كل من حوله مساكين رجعيون، لأنهم يؤمنون، ويتعبون أنفسهم بالعبادات، ويحرمونها اللذائذ والمتع الجنسية وغيرها، ومثل هذا النوع يتصف بسلاطة اللسان وكثرة السخرية والاستهزاء والازدراء بالآخر والاستعلاء بالنفس، مبيناً أنه من هذه العوامل أيضاً الإفراط في الحرية الفردية إلى درجة التكبر، ورفض مبدأ الأمر والنهي والطاعة لله ولرسوله وولي الأمر، والرغبة في التحلل من التكاليف الدينية والقيود الاجتماعية، والانسياق وراء الهوى واللامبالاة، وكذلك اضطرابات الشخصية، والأمراض النفسية، والوسواس القهري، وغيرها كما يذكر أهل العلم والتربية.
وذكر أن وجود مثل هذه الظواهر في مجتمعنا السعودي المسلم لا يعني وجود الخلل في الوعي الأسري لدى الأب أو الأم، ولا ينبغي لنا أن نجلد مجتمعنا المتماسك ولله الحمد، لكن هو مؤشر لوجود ثغرة في التربية الوقائية والرقابة المتزنة التي لا تتعارض مع زعزعة الثقة في الابن أو البنت، قال عليه الصلاة والسلام: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، وهذه الوصية لابد أن يضعها كل رب أسرة نصب عينيه، وعليه أن يكثف الوعي المتزن لدى أبنائه وبناته لاسيما من هم في سن الطفولة أو المراهقة، مُشدداً على ضرورة الاهتمام بالجانب الوقائي والقرب ممن يعول قدر المستطاع، والدعاء لهم بظهر الغيب، والله الحافظ والهادي إلى سواء السبيل.
التعليقات