لست ممن تتملكهم نظرية المؤامرة وتسيطر عليهم إلى حد تفسير كل إخفاق بأن وراءه مؤامرة خارجية، لكن في المقابل ليس من المعقول أن نستبعد تماماً نظرية المؤامرة الخارجية التي كشفت عن وجهها لنا بوضوح وبوقاحة أحياناً، وإصرار بعضنا على عدم وجودها من شأنه أن يجعلنا جميعاً على بعد خطوة من مخاطر قريبة جداً يصر هؤلاء على أنها غير موجودة.
إن هؤلاء الذي يصرون على عدم وجود أي مؤامرة من الخارج على استقرار بلادنا هم في الواقع أخطر علينا من أصحاب المؤامرة، ومن المتآمرين معهم من الداخل؛ لأنه في الحقيقة يقوم بدور الصديق الجاهل، وكما يقولون «عدو عاقل خير من صديق جاهل»، فعدوك ظاهر لك تعرفه ويعرفك، وحدود عداوته لك تنتهي عند الخط الذي يخشى إن تجاوزه من الإضرار بمصالحه، أم هذا الذي يصر على غل يدك، فهو أخطر عليك من العدو؛ لأنك لا تأخذ حذرك منه. وهؤلاء كثيرون بالمناسبة، ويحدثونك طول الوقت عن تأخرنا، وتفوق الآخر علينا، وعدم احتياجه إلى التأمر علينا من الأساس، وهذه في الحقيقة نظرة قاصرة إلى حد مروع، يجعل من هؤلاء الأشخاص خطراً مقمياً بيننا؛ إذ من مصلحة الآخر المنافس لك أن تبقى متأخراً، أن تبقى خلفه بسنوات ضوئية حتى تبقى محتاجاً إليه، وحتى يضمن السيطرة على مواردك في مقابل هذا الاحتياج، وتخلفك عنه بسنوات ضوئية يضمن له هذا الوضع غير العادل، هذا بخصوص قوى عالمية تبدو أحياناً شريكة وصديقة لنا، فما بالك بقوى معادية تعلن عداءها لك إلى حد الاشتباك العسكري والحرب، ولو بالوكالة، في أكثر من مسرح يشهد اضطرابات مسلحة في دول تربطنا بها حدود جغرافية، وتسعى أكثر من قوة إقليمية معادية لتجعل منها فوضى تقترب ألسنة نيرانها من حدود بلادنا.
وأمام هذا الخطر الكبير الذي يحدق ببلادنا ويحاصرها من جميع حدودها، وأمام هذا الاستهتار من قبل أطياف ثقافية تخذل بلادها بحديثها عن عدم وجود مؤامرة عليها، فإن أكثر ما نحتاج إليه الآن في هذا الوقت الصعب هو أن نخوض تحدياً صعبا، هو تحدي الوعي الذي لا أبالغ إن وصفته بأنه معركة الوعي؛ لأننا سنخوضها في مواجهة محاولات الاختراق الفكرية الخارجية؛ لتضليل الرأي العام وبث البلبلة في صفوفه، وأيضاً سنخوضها في مواجهة أطياف الداخل التي تصر على عدم حمل مسؤوليتها الثقافية، وتكتفي بالتهوين مما تتعرض له بلادنا من مؤامرات، وربما إنكارها بالجملة، ويبقى حديثنا المقبل عن الجهات المعنية بمعركة الوعي هذه.
التعليقات