بعض المشاهد التي تبدو عابرة، تحرك خيالك، وتحيلك إلى زمان ومكان آخرَين، أحد هذه المشاهد مر بي قبل أيام، حين شاهدت، وشاهدنا جميعاً، الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن وهو ينتحب ويبكي والده الرئيس جورج بوش الأب، لا أعرف لماذا انتقلت بي الذاكرة فجأة إلى العراق، وحضرتني صور لأطفال وشبان كثيرين بكوا آباءهم، وآباء بكوا أبناءهم، في حرب غاشمة أتت على كل شيء في وطن عزيز، وجعلته أثراً بعد عين، يحاول الوقوف على قدميه من جديد بعد مشهد دماء شرس خلفته قذائف الطائرات الأميريكية في كل بقعة من بقاع العراق، ومشهد دمار أشد شراسة خلفته سنوات الفوضى بعدما تركت الولايات المتحدة العراق الكبير فريسة سائغة في أيدي ملالي طهران، يثأرون من جسده المثخن بالجراح، وكان من قبل صخرة عملاقة تتحطم عليها أطماعهم.
ألهمني حقاً مشهد دموع الرئيس الأميركي، وجعلني أفكر في حزنه على أبيه، وقلت في نفسي: لماذا تتعطل مشاعركم حين تتعلق المشاهد المبكية بنا؟ لماذا يصيب العطب آلة الدموع حين يكون الضحايا منا؟ لماذا لا تتذكرون أبداً أن آلة القتل غير المبرر التي هدمت وطناً على رؤوس أهله، خلف ملايين حالات الفقد، ومزقت أسراً يقيناً لن تشعر بالسعادة أو بالرغبة في الحياة قبل عقود، حين تولد لها أجيال جديدة، لم تشوهها مشاهد الحرب نفسياً؟
ثم عادت مشاعر الإنسانية الأميركية الانتقائية تطل علينا من جديد، إثر مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي، رحمه الله، الجريمة التي دانتها القيادة، وأمرت بجميع التدابير التي تضمن عقاب الجناة، والقصاص منهم أمام قضائنا السعودي الذي نعرفه جميعاً ولا يمكن المزايدة على نزاهته، لكننا في المقابل نسمع أصواتاً تعلو من قبل لنزي قراهام وكوكر وغيرهما من المشرعين الأميركيين يزايدون على موقف بلادنا التي لم يحدث يوماً أن فرطت في حق أي من أبنائها ولم تسانده في أي موقف أينما كان، فما بالنا بابن من أبناء بلادنا يقتل هذه القتلة البشعة، ويبقى السؤال: لماذا تتعطل مشاعركم في الجرائم التي تكون جيوشكم ضالعة فيها؟ وهل كفة قتل رجل عندكم ترجح أمام كفة هدم وطن وقتل أهله وتشريدهم؟
التعليقات