لنا أن نتصور اقتراحاً يطرح بتكييف المدينة المنورة تبريداً وتدفئة لكافة مبانيها وطرقها وشوارعها وأزقتها وحدائقها وساحاتها صيفاً وشتاءً، ونتساءل ماذا عسى أن تكون تلك التكلفة من ناحية تنفيذية أو تشغيلية..؟ تكلفة هائلة بلا شك..!! هذا بالفعل ما يتم، حين نتخيل أن نجمع كافة مكونات الوحدات السكنية في المملكة بمختلف أنواعها في مساحة واحدة، من مجالس وغرف نوم ومطابخ وملاحق وخلافها، التي نجد أنها تعادل في الواقع إجمالي مساحة المدينة المنورة، هذه المساحة الشاسعة للعناصر الوظيفية في وحداتنا السكنية التي يتم تكييفها تبريداً وتدفئة صيفاً وشتاءً باستخدام الطاقة الكهربائية، يجعلنا نتصدر الدول الأعلى في استهلاك الوحدات السكنية من تلك الطاقة، فالمعدل السنوي لمتوسط استهلاك وحداتنا السكنية من الطاقة الكهربائية يتجاوز الأربعين ألف كيلو واط ساعة، وهو ما يمثل عشرة أضعاف متوسط الاستهلاك العالمي حتى في فصل الشتاء الذي نعيشه هذه الأيام، ويقل فيه استخدامنا لأجهزة التكييف من أجل التبريـد، نجد أن هذا الاستهلاك يزيد عن المعدل العالمي بنحو (50 %)، لندفع من ثم فاتورة هذا الاستهلاك بما يفوق السبعة وعشرين ملياراً من الريالات كل عام، لتمثل النسبة الأعلى في مجموعة الإنفاق على السكن، بعد تكلفة السكن ذاته، وتصل إلى نحو (11 %) من الإنفاق الشهري للأسرة على مجموعة السكن.

إن مما يزيد من حدة الاستهلاك للطاقة الكهربائية في وحداتنا السكنية صيفاً، وبقية فصول العام الأخرى، ونفقات هذا الاستهلاك الرأسمالية والتشغيلية، وتكلفة ذلك على المجتمع ورب الأسرة، هو النسبة العالية من المساكن التي لا تتوفر بها خاصية العزل الحراري، التي تقلل من قيمة فاتورة الاستهلاك للكهرباء في المساكن بنحو (30 %)، حيث تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، أن النسبة المئوية للمساكن التي يوجد بها عزل حراري بالفعل لا تتعدى (20 %)، بينما بقية الوحدات السكنية الأخرى إما لا يتوفر بها عزل حراري، وتمثل الغالبية، أو لا يعلم سكانها إن كانت تتوفر بها تلك الخاصية أم لا.

بلا شك، إن المساكن الجديدة أصبحت ملزمة بأن تتوفر بها خاصية العزل الحراري، حتى يتم إيصالها بشبكة الطاقة الكهربائية، لكن ماذا عن الوحدات السكنية القائمة حالياً، التي قد يزيد عددها عن الخمسة ملايين وحدة سكنية ولا تتوفر بها تلك الخاصية..؟ بل ماذا عن مدى التزام الوحدات السكنية التي تنشأ حالياً بضوابط العزل المطلوبة، خاصة ما يكون بعيداً عن أنظار الرقابة على تطبيق تلك الضوابط؟