اللغـة ثاني أهم شيء «بعد حجم الدماغ» ساهمت في تطور الإنسان، لعبت دوراً مهماً في نقل المعرفة، ومراكمة الخبرات، ووصولنا لهذا القدر من المعرفة.. والتعقيد.

مخلوقات كثيرة عاصرتها في الماضي ولكنها مازالت تستعمل ذات الأدوات التي استخدمتها قبل آلاف السنين.. أدوات الإنسان البدائية تطورت إلى آلات ثم ماكينات ثم أجهزة ذكية، في حين ظل الفيل والشنبانزي والغراب تستعمل ذات الأدوات التي استعملتها من مليون عام.. تطورنا الحالي تطلب قـروناً كثيرة من الإضافات الصغيرة والتدريجية التي تم تناقلها بواسطة اللغة «سواء المنطوقة أو المكتوبة» حتى وصلنا اليوم إلى نتائج معقدة لم نتصور نحن وجودها حتى خمسين عاماً مضت «وخذ كمثال الهاتف الذي تحمله في جيبك».

المخلوقات التي تستعمل الأدوات البدائية حتى اليوم «كالقرد ونقار الخشب» تعمل بحسب مستوى الذكاء الفطري القديم، وتعجز عن نقل خبراتها الشخصية للأجيال التالية.. لهذا السبب تكرر نفس التصرفات السائدة بينها منذ ملايين السنين - ولهذا السبب أيضاً لم تتغير مملكة النحل والنمل منذ ذلك الحين رغم نظامها الرائع.

وفي المقابل هناك الإنسان الذي ساهمت لغته «وقدرته على النطق» في نقل الخبرات للأجيال التالية لتتعلم منها وتضيف إليها.. وهذه الميزة جعلت معارفه تتراكم بمرور الزمن كون كل إنسان «يكتشف شيئاً جديداً» يخبر به غيره ويستعمله الجميع حوله.. وخبرة بعد خبرة، وتجربة بعد تجربة، وإضافة بعد إضافة، تتراكم المعارف والخبرات بحيث لا يضطر الأحفاد مثلاً إلى إعادة اختراع العجلة أو اكتشاف أشياء تعلموها من أسلافهم - بل يضيفون إليها ويطورونها بشكل أفضل.

المرحلة التالية كانت ابتكار الكتابة التي أتاحت نشر المعرفة لعدد أكبر من الناس، وساهمت في توثيقها وبقائها لتستفيد منها الأجيال القادمة وتضيف إليها.. أما المرحلة الثالثة فكانت اختراع الطباعة، وقيام يوهان غوتنبرج بطباعة أول كتاب «في القرن الخامس عشر».. بدأ الكتاب ينزل من عليائه، وتصبح المعرفة شائعة بين الناس وبسعر الورق الذي تطبع عليه.

وكأننا اكتفينا بذلك حتى دخلنا في المرحلة الرابعة من نشر المعرفة «بعد اللغة المنطوقة، والكلمة المكتوبة، والكتب المطبوعة» بظهور الإنترنت في عقد التسعينات.. فهذه الشبكة تحولت هي ذاتها إلى أرشيف معرفي هائل تجاوز في أول عشر سنوات من ظهورها «وتحديداً بين العامين 1991 و2001» أرشيف المعرفة البشرية طوال الثلاثين قرناً الماضية «ويعـلم الله حجم المعارف الذي تتضمنه هذه الأيام».

كل هذا التراكم المعرفي والتوثيق العلمي ساهم في تطور الإنسان بطريقة نوعية مضاعفة، وجعلته يبتعـد كثيراً عن مخلوقات كان يستعمل مثلها - قبل ملايين السنين - العصا والحجر وأوراق الشجر.

وفي كل المراحل ظلت «اللغة» أداة المعرفة المشتركة بين البشر!!