لم أتوقع أبداً ارتفاع نسبة مشاهدة مهاترات البيوت الفضائية واستحواذها بكل ما فيها من سخافات وملل على اهتمام عدد متزايد من المشاهدين وبالذات من فئة الشباب، وصغار السن، فمنذ بدأت البيوت الفضائية تبث تفاهاتها على مدار الساعة لتقدم لجمهور متفرغ أحوال عدد من الشباب بنين وبنات وقد أباحوا حياتهم الخاصة لعيون المشاهدين وانتقاداتهم وتقييمهم، سجل التاريخ العربي بداية انعطافة جديدة في مساره نحو الأرض، فبعد الكليبات "الغنائية المبتذلة" التي تتفجر كل يوم عبر قنوات جديدة تنمو نمواً سرطانياً مخيفاً وتقدم أسماء كثيرة ربما لا يهم الشباب منها الا ثنيات أجسادهم وايقاعات جنونهم ومجونهم التي فاقت كل التصورات وتعدت كل أنواع الخطوط الحمراء والخضراء والصفراء، بعد تلك المصائب الغنائية الفجة، تكتسح الفضائيات موضة البيوت الموصدة على شباب لا يجمع بينهم سوى شغفهم بجائزة سيحصلون عليها في نهاية البرنامج الفصلي لا يهم في مقابلها كم سفحوا من كرامتهم وكم عبثوا بقيم وعادات كانت أصيلة في مجتمعاتنا العربية حتى أهانوها بكل بساطة، والحقيقة أنا لا يعنيني موقف هؤلاء ولا يهمني كثيراً مدى تدهور قيمهم حتى يقبلوا بأن تسجل كاميرات المراقبة أنفاسهم ليل نهار، فهذا خيارهم، ولكن ما يعنيني حقاً هو متابعو هذه البرامج من شباب أمتنا الغض والذين تماهت في عيونهم القيم وضاعت أمامهم الحدود، لم يعد الحرام والعيب والمرفوض كلمات تحمل نفس المعاني التي درج عليها آباؤهم، الحوا عليهم بأنواع التسيب والتفسخ والمجون حتى أصبح من الطبيعي أن يشاهدوا الخطأ ويتفاعلوا معه ويتعاطفوا مع أبطاله.

لا أعرف ماذا أصاب هويتنا الإسلامية العربية، لم تعد ملابسنا تمثلنا ولا برامجنا الثقافية تنبع من جذورنا، لم تعد حتى أسماء أبنائنا تنتمي إلينا، قنواتنا الإعلامية في معظمها مسخ مشوه عن برامج غربية ونقل غير مسؤول عن ثقافات غربية لا تمت إلينا بصلة.

كيف نطالب شبابنا بالانتماء ونحن نساهم بمسخ هويتهم بشكل منظم مدروس ويومي.

ماذا بوسع الأم والأب أن يفعلا وهما يشاهدان طوفاناً عبثياً يجتاح عقول أبنائهما من كل مكان إن استطاعا إغلاق فجوة لم يتمكنا من صد العشرات.

لا ألوم الآباء على حيرتهم عندما يطالب الصغار بحقهم في تقليد المسوخ التي تطل عليهم ليل نهار في عقر دارهم ومراكز إحساسهم.. لا الوم حيرتهم وهم مترددون بين المنع والسماح وهم في كلا الحالتين لا يملكون فعلاً القرار.. فما هو ممنوع في محيطهم الصغير سيجد له منفذاً ومنافذ كلما اتسعت مدارك الصغار ودائرة حركتهم.

انه وقت عصيب حقاً وما لم يتدارك وزراء الإعلام في الدول العربية كافة مخاطر الهجوم الكاسح على قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وقبل ذلك ديننا وما لم يتخذوا قرارات حازمة في جامعة الدول العربية تُوقف هذا المد الاخطبوطي فإن جيلاً مهلهلاً بلا هوية ينتظر الأمة بعد عشر سنوات.. جيلاً ينتمي للتقليعات والصرعات الغريبة أكثر بكثير مما ينتمي لدينه ولقيمه.