لا أعرف ما الذي ستكون عليه منازل السعوديين في العقدين المقبلين، أتذكر أن أول بيت وعيت فيه حياتي اختلف عن البيت الذي ترعرعت فيه ببعض التفاصيل كالحمام والمجالس والسعة ونوع الأبواب، ثم جاءت الطفرة وأحدثت بيتاً بنمط جديد واليوم أعيش في بيت يختلف عن جميع البيوت السابقة، عندما أراجع مراحل حياتي أجد أن التغيرات رهينة بالتحول الاقتصادي والتحول الثقافي العنيف، البيتان الأخيران شكلا قطيعة مع سابقيهما على جميع الصعد.

تميز البيتان اللذان عشت فيهما طفولتي ويفاعتي بالحميمية، يكاد الناس يعيشون في بيت واحد ممتد لا يفصلهم عن بعض سوى حائط قصير معزز بالاحترام والحشمة، يتسم البيت من الداخل بغياب شبه كامل للرفاهية، لا يوجد في المنزل سوى ما لا يستغني عنه البيت، عدد من الأواني الضرورية والفرش والمجالس ولمسات محدودة من الديكورات.

كان الباب الخارجي أمام باب البيت المقابل تقريباً، عندما تقف في مدخل بيتك تشاهد مدخل البيت (المجبب) الذي أمامك وإذا وقفت في السطح الأعلى سترى من يقفون في سطوحهم أيضاً. في المساء تمتلئ السطوح بالنساء لإعداد الفرش للنوم، كان الناس يحترمون خصوصيات بعضهم البعض، لا أحد يجرؤ على النظر في بيت جاره أو التطفل عليه. الحشمة مبنية في داخل الإنسان وليست مفروضة عليه، وفرت الحشمة الأصيلة على الناس تكاليف كبيرة ظهرت تبعاتها الباهظة مع الانتقال للنمط الجديد والتفكير الثقافي الجديد.

مع ارتفاع أسعار النفط في السبعينات وبداية خطط التنمية ظهرت بيوت جديدة فارقت نمط البيوت السابقة وكأن سكان هاته البيوت لا صلة ثقافية أو أخلاقية بسكان البيوت القديمة، سميت فلل، إذا قارناها بالبيوت السابقة يمكن أن نصفها بالجزر المعزولة، يقع البيت داخل سور منيع يتجاوز ارتفاعه ثلاثة أمتار وفي كثير من الأحيان يعزز هذا الارتفاع بشينكو ارتفاعه أربعة أمتار، ومن الداخل تقسم البيوت الجديدة إلى بيتين واحد للرجال والآخر للنساء، تجربة غير معروفة في البيوت السابقة وغير معروفة حتى عند الشعوب الأخرى.

عندما تتجول في الرياض اليوم سترى أن نمطاً جديداً من المباني بدأ يعبر عن نفسه، ستلعب الأوضاع الاقتصادية والنظرة الجديدة للحياة والتغير في مفهوم العلاقات دوراً كبيراً في بلورته، التحول الثقافي يجري على قدم وساق ولكني لا أعلم ما الذي ستكون عليه الأوضاع الاقتصادية في السنوات العشر القادمة. وكما عاش جيلي طفرة اقتصادية غير مرشدة أتوقع أن يعيش الجيل القادم طفرة مع وعي اقتصادي واجتماعي ولن تلعب الأوهام أو الهواجس دوراً في تشكيل نظرة الناس للحياة.

لبناء حياة جديدة لا نحتاج إلى مهندسين أجانب يكفي أن نعيد نمط البيوت القديمة والحارات القديمة وهي بالضبط ما يسميه الأميركيون والكنديون TOWNHOUSE.