من المعرف أن أحد شروط النجاح في أي ميدان توفر القدرة على ابتكار الحلول، وطرح المبادرات، واتخاذ قرارات مؤثرة تتجه نحو أهداف واضحة. وعندما توجد بوادر إبداع، ومؤشرات، وقدرات ولا تتوفر بيئة مشجعة تحتضن هذه القدرات وتنميها وتعززها مادياً ومعنوياً فإنها بلا شك ستموت في مهدها.

في بعض المؤسسات يكون أحد الأسئلة المطروحة في مقابلة التوظيف للمتقدم للوظيفة... ما هي الأفكار أو الخطط التي تحملها وترغب في تنفيذها؟

أو سؤال آخر عن الأشياء التي يستطيع المساهمة فيها، أو الإضافات التي يتصور أنه سوف يضيفها إلى العمل؟

في كتاب صغير جميل وقيم بعنوان «الإبداع في الإدارة لم يعد حلماً» يقترح المؤلف الأستاذ ثامر بن عبدالله الجبير تحفيز الإبداع، وجعل المرؤوسين مبدعين عن طريق عدة نصائح منها إشراك الجميع في بناء العمل الجماعي، وتعزيز ثقة المرؤوسين بأنفسهم وبقدرتهم على الإبداع، ووضع حوافز معنوية ومادية لكل فكرة إبداعية ناضجة، وتشكيل فرق إبداعية لدراسة المشاكل وإيجاد الحلول وتفعيل عملية المشاركة في اتخاذ القرارات وتطبيق عملية تقييم مستمرة للإدارة والابتعاد عن البيروقراطية.

هذا يعني أن الإبداع يتطلب توفر بيئة عمل مثالية تدار بطريقة تنمي الشعور بالانتماء، وتعزز الإخلاص، والرغبة في المساهمة، وتدفع بالعاملين إلى المبادرات دون خوف من الفشل.

إذا كنا نتفق على ما سبق فهذا يقودنا إلى سؤال مهم، وهو كيفية تقييم المؤسسات والأجهزة الحكومية والأهلية، وهل للجوانب السابق ذكرها نصيب من هذا التقييم. انظر في التقارير السنوية، ونماذج تقييم الأداء فسوف تجد أن بيئة العمل بكافة عناصرها لا توضع تحت المجهر بدرجة كافية.

إذا كنا نطالب المؤسسات الحكومية والأهلية بالإبداع، فيجب أن نقيمها على هذا الأساس. يجب أن نتساءل عن حوافز الإنتاجية، والتعاون، والمشاركة، والمبادرة، والعمل بروح الفريق، وبيئة العمل المادية بشكل عام.

عند ملاحظة تدني مستوى الخدمة تتجه الأنظار مباشرة إلى الموظف الذي يقدم الخدمة، وننسى أنه جزء من كل وأن مخرجات العمل هي محصلة للمدخلات وسلوك الموظف هو ترجمة للبيئة التي ينتمي إليها، والثقافة التنظيمية السائدة في الجهاز. وقياساً على ما سبق فإن الموظف المبدع هو أيضاً يترجم فلسفة العمل التي يؤمن بها والمفاهيم الإدارية التي تمثل سياسة الجهاز. وإذا لم تتوفر له بيئة عمل مشجعة فقد يتوقف إبداعه أو ينتقل إلى بيئة عمل أخرى.

ويلاحظ أن جهود الاصلاح الإداري تتجه في الغالب نحو الهياكل التنظيمية، وإعادة التنظيم، وتحديد المسؤوليات، والصلاحيات ولكنها لا تتابع الإبداع الفردي، ولا الإبداع الجماعي، وقد تتعامل في تقييم أداء الأجهزة مع قمة الهرم الوظيفي فتكون بذلك بمعزل عن العاملين، والمرؤوسين، والموظفين في الميدان الذين من خلالهم نستطيع أن نقيم الأداء والسلوك.

النتيجة التي أريد أن أصل إليها الآن هي أنه لو توفرت بيئة عمل تشجع على الإبداع فإن الحديث عن المشكلات الإدارية مثل الواسطة، وتأخير الانجاز، والرشوة، والازدواجية، والمركزية، وغيرها سوف يتوقف، وحيث إن الحديث عن تلك المشكلات وغيرها لا يزال مستمراً فهذا يعني أننا لم نبدع في حلها وأن الإبداع فكرة غير واردة في بيئة العمل التي يسيطر عليها الأداء التقليدي المكرر بما تقتضيه اللوائح والإجراءات والتأكيد على منع الخروج عن النص أي منع الإبداع الإداري.

yalgoblan@alriyadh.com