المطالبة بمنح المنازعات العقارية مزيداً من الاهتمام في التنظيم القضائي، من خلال تجميع كل صور وأنواع المنازعات العقارية تحت مظلة محكمة واحدة وتسميتها (المحكمة العقارية)..
عندما صدر نظام القضاء في العام 1428هـ، أحدث تقسيماً وأنواعاً للمحاكم التابعة لوزارة العدل، لم يكن موجوداً في النظام السابق للقضاء، وجاءت هذه المحاكم على خمسة أنواع هي: (المحاكم العامة، المحاكم الجزائية، محاكم الأحوال الشخصية، المحاكم التجارية، المحاكم العمالية).
ونصت الفقرة (د) من المادة السادسة من نظام القضاء، على أن من اختصاصات مجلس القضاء (إنشاء محاكم وفق الأسماء المنصوص عليها في المادة التاسعة، أو دمجها أو إلغائها، وتحديد اختصاصها المكاني والنوعي بما لا يتعارض مع حكم المادة (25) من هذا النظام، وتأليف الدوائر فيها).
وبذلك يظهر أن لمجلس القضاء صلاحية إلغاء بعض هذه المحاكم الواردة في المادة التاسعة من النظام، أو دمجها، ولكن لا أظن النظام يقصد إلغاء وجود نوع من أنواع هذه المحاكم المنصوص عليها؛ إنما المقصود هو فروع تلك المحاكم - حسبما يظهر لي رغم أن إطلاق النص قد يُفهم منه ما هو أوسع من مجرد فروع المحاكم -.
ثم جاء نظام المرافعات الشرعية فقرر في المادة (31) الاختصاص النوعي للمحاكم العامة بأنه (جميع الدعاوى والقضايا والإثباتات الإنهائية وما في حكمها، الخارجة عن اختصاص المحاكم الأخرى وكتابات العدل وديوان المظالم، ولها بوجه خاص النظر في الآتي:
أ- الدعاوى المتعلقة بالعقار، من المنازعة في الملكية أو حق متصل به، أو دعوى الضرر من العقار نفسه أو من المنتفعين به.. الخ.
ب- إصدار صكوك الاستحكام بملكية العقار أو وقفيته.
ج- الدعاوى الناشئة عن حوادث السير وعن المخالفات المنصوص عليها في نظام المرور ولائحته التنفيذية).
وهكذا نصت المادة (19) من نظام القضاء على أن تؤلف في المحاكم العامة دوائر متخصصة لهذه الأنواع من القضايا.
وقديماً كان هناك نزاع كبير وتباين واضح بين القضاء التجاري حين كان تابعاً لديوان المظالم، والمحاكم العامة التابعة لوزارة العدل، حول الكثير من صور الدعاوى التي يقرر القضاء التجاري أنها دعاوى عقارية تخرج عن اختصاصه، بينما يقرر القضاء العام أنها دعاوى تجارية تخرج عن اختصاصه، وقد حُسم هذا النزاع تقريباً بصدور الأنظمة الجديدة التي فصلت القول في أنواع الدعاوى المرتبطة بالعقار، ووضحت بشكل أكثر جلاء ما تختص به المحاكم العامة، وما تختص به المحاكم التجارية، وهذا يعتبر تطوراً إيجابياً وإصلاحاً مهماً يحفظ على المتقاضين أوقاتهم وحقوقهم، ويركز الاختصاصات بصورة أفضل بين المحاكم؛ إلا أنه بالنظر إلى هذا التقارب الكبير بين الدعاوى العقارية والتجارية، يظهر مدى الارتباط الكبير بين الاختصاصين، وأنه يمكن إضافة أحدهما إلى الآخر.
كما أن الواضح من نص المادة (31) من نظام المرافعات الشرعية المشار إليها أعلاه، أنه أصبح أبرز وأهم اختصاصات المحاكم العامة، الدعاوى العقارية.
ولا يخفى مدى ما للعقار من أهمية ٍ قصوى في اقتصادات الدول، وأن النشاط الاستثماري العقاري أصبح هو أهم مجالات التجارة والاستثمار دولياً، مما يكشف أن استبعاد الدعاوى العقارية من اختصاص القضاء التجاري، يأتي متأثراً بنظرةٍ تقليديةٍ قديمةٍ جداً قد عزفت عنها الكثير من القوانين الحديثة.
وهذا كله يقودني إلى المطالبة بمنح المنازعات العقارية مزيداً من الاهتمام في التنظيم القضائي، من خلال تجميع كل صور وأنواع المنازعات العقارية تحت مظلة محكمة واحدة وتسميتها (المحكمة العقارية)، والاهتمام بهذه المحكمة، بتوفير الكوادر المؤهلة للعمل فيها من قضاة وأعوان قضاة ومستشارين شرعيين وقانونيين، وأقسام خبرة هندسية وعقارية، أكثر تخصصاً في الأحكام والأنظمة العقارية، وتوفير قاعدة بيانات متكاملة لهذه المحكمة.
وأعتقد جازماً أن إقرار مثل هذا التوجه والعمل عليه، سيحقق الكثير من الآثار الإيجابية على حركة الاستثمار العقاري في المملكة، إذ ما من شكٍ أن ذلك سيؤثر إيجاباً في تركيز الخبرات وتوحيد المبادئ والاجتهادات، وتقصير مدد التقاضي في هذه الدعاوى، وغير ذلك من آثار تبعث الثقة في القضاء العقاري، وتؤمن الحماية اللازمة للمتعاملين في العقارات.
التعليقات