التراجع في نمو عدد رخص البناء السكنية التي تصدر من الأمانات والبلديات على مدى ما يزيد على عقد من السنوات، والذي بلغ ذروته العام الماضي 1438هـ بانخفاض في عدد تلك الرخص عن العام الذي سبقه بنسبة جوهرية بلغت نحو (32 %)، لا يبدو أن معضلته تقتصر فقط على أن ما يوفر من مساكن جديدة هو إحلال في معظمه للقديم، وقلة تلبية الطلب الجديد على الوحدات السكنية، وإنما كذلك في تنامي دور وإسهام القطاع الخاص من الأفراد تحديداً في تلبية هذا الاحتياج مقارنة بما تسهم به شركات ومؤسسات التطوير العقاري المستثمرة في مجال الإسكان، أو حتى ما يوفره القطاع الحكومي.

فحسب البيانات الصادرة مؤخراً من الهيئة العامة للإحصاء، بلغ إجمالي عدد الوحدات السكنية من فيلات وشقق ضمن إطار ما صدر من رخص بناء سكنية عام 1438هـ ما يزيد على (215) ألف وحدة سكنية، لم تمثل الوحدات السكنية المدعومة من وزارة الإسكان وأنجزت خلال ذلك العام، ما نسبته (7 %) من إجمالي تلك الوحدات السكنية، أي أن ما تعبر عنه وتؤكده أرقام تلك البيانات هو أن ما يصل إلى نحو (90 %) من المساكن التي صدرت لها تلك الرخص في كافة مدن المملكة جرى أو يجري بناؤها من قبل أفراد سواء كان ذلك لغرض إسكان أسرهم أو استثمارها بالبيع أو التأجير في سوق الإسكان، حيث أن إسهام شركات ومؤسسات التطوير العقاري في مجال الإسكان لا يزال ضئيلاً ومحدوداً ومقصوراً في ذات الوقت على المدن الكبرى، وشبه معدوم في المدن الصغيرة والمتوسطة، كما أن معظم نتائجه المحدود يتم استقطابه من قبل برامج وزارة الإسكان.

ما يعيب البناء الفردي للمساكن بشكل كبير هو الجانب المتعلق منه بالبعد الاقتصادي، حيث نجد التكلفة العالية نسبياً على مالكي تلك المساكن في تنفيذها لمحدودية المعرفة وقلة الخبرة لدى معظمهم وغياب الأسس الاقتصادية في إنشاء تلك المساكن، بل وحتى تشغيلها وصيانتها، إضافة إلى تدني كفاءتها وبالتالي قصر عمرها التشغيلي، خلاف إتلافها لبعض عناصر شبكة المرافق العامة نتيجة طبيعة تنميتها التدريجية والبطيئة، ناهيك عن عدم إسهامها في توفير الظروف لقيام صناعة بناء مزدهرة، تحقق عوائد اقتصادية، وتعمل على توفير فرص عمل للمواطنين، وتقلل من الاعتماد الكثيف على العمالة الوافدة.