صادف أني قضيت العيد بين ثلاث مدن سعودية في ثلاثة أيام: مكة والطائف والرياض. فكانت خبرة سريعة وجميلة، أجمل ما فيها قضاء العيد مع الوالدين والأبناء وبعض الأقارب، ما كان له وَقْع مهم على الأطفال، وتعرفهم على أبناء أخوالهم. وكانت فرصة لسبر غور بعض التحولات التي شهدناها في الرياض الأشهر الماضية، وما إن كان لها مثيل في مكة على سبيل المثال. ويمكن القول إن مكة المكرمة متحفظة في فعالياتها الموجهة إلى الأسر، وكان منتهاها ليلة العيد، التي رعتها هيئة الثقافة في غرفة مكة لحضور حفل افتتاح المونديال، ومباراة الافتتاح بين السعودية وروسيا، مع إفطار ختم أيام رمضان المباركة، التي فتحتها للأسر للمرة الأولى، فكانت المناسبة جميلة بالجمع الأسري، الذي صاحبها، ولكنها بلا شك كانت قاسية في نتيجتها التي نعرفها، والتي نأمل أن يتمكن لاعبونا من تجاوزها، واللعب بشكل أفضل في المباريات المقبلة.
لكن بالبحث عن فعاليات العيد في مكة، لم أجد على روزنامة هيئة الترفيه إلا حفلا في حديقة عامة، وهو كل ما لديها.
أمضينا يومنا الأول في الطائف، واخترنا صعود جبل الهدا، واستمتعنا بالطريق المعتادة، التي تشهد فيها مع كل التفافة حول الجبل انخفاض الحرارة درجة أو اثنتين، تجعل فتح نوافذ السيارة متعة. وكان أجمل متع الطريق التوقف لمشاهدة القرود في تجمعاتها على أطراف الطريق، وهي تتناول ما يلقي إليها المارة من طعام، ملتقطة ما هو قابل للأكل بأصابعها الرقيقة وقفزاتها الرشيقة، وهي تعتلي الصخور، وبعضها يحمل أطفالها على ظهورها والأخرى تتشبث بكل احترافية. كان المشهد لطيفاً ومسلياً للأطفال على وجه الخصوص، ولعل أسوأ ما فيه كانت البقايا الملقاة على الأرض مما تم قذفه للقرود من نفايات، مع الإشارة إلى أنه على الرغم من الاستراحات على جوانب طريق الهدا، إلا أنها تفتقد أي سلال مهملات مما يمكن غلقه والحفاظ على النظافة العامة به، ما يدعو مَن لا يرتدع عن رمي كل ما طاب لهم على الأرض، جاعلاً من سفوح الجبال مهبطاً لأكياس الزبالة والمخلفات. فعسى بلدية الطائف ومكة يتعاونان لحل هذه الأزمة المؤرقة.
أما الطائف نفسها فقد كانت الأجواء احتفالية ببعض لوحات المعايدة وبعض الوسائل التقليدية في الاحتفال في منطقة الرُدّف؛ حيث ينشط مؤجرو الحيوانات من خيول وجمال للركوب والتصوير، إلى مؤجري الدبابات وباعة الذرة والبليلة والآيس كريم، التي تحيط بملاهٍ تزدحم بالأطفال. هذه كانت الصورة الرئيسة للاحتفال بالعيد في الطائف، وبعد البحث في روزنامتها، وجدنا أن هناك احتفالا ضوئيا وحيدا سيكون في الردّف، لكن لم يكن واضحاً متى هو، ولم نجد هناك أي لوحة تذكر أو تُذكّر بالأمر، ولم ننتظر، وكانت متعتنا في زيارة متنزه الشعلة، الذي إضافة إلى ألعاب الأطفال فيه والحديقة المفتوحة، إلا أن مسرحه حمل ساعة دي جي تشغّل أغاني العيد بكل الموجات والذكريات الجميلة، وهي أمر لم أشهده في تعييدنا في الطائف من عامين، وفي المكان نفسه الذي اكتسى حلّةً قشيبة هذه المرة.
أما الرياض فقد كان عيدها مختلفاً بأكثر من تسع حفلات موسيقية لمطربات شهيرات ومطربين وسيرك وغيره، منها ذات الحضور المجاني ومنها بمقابل، وكان من نصيبي حضور حفل الفنانة الأوبرالية هبة قواس، التي رافقتها أوركسترا نمساوية قدمت برعاية هيئة الثقافة عرضاً فنياً موسيقياً استثنائياً في أجواء الرياض عندما تصدح الأوبرا بالعربي ومعزوفات في مزيج متناغم، كانت كلها من تأليف الفنانة نفسها على مسرح جامعة الأميرة نورة، حضره جَمْع من المهتمين والمهتمات بهذا النوع من الفن، سعدتُ بأن حضره طفلاي معي على الرغم من صعوبة يوم الوصول من السفر.
وكل عام وأنتم بخير والمزيد من الفعاليات العيدية في كل أطراف الوطن.
التعليقات