السياحة أصبحت حديث الساعة الرائج لاسيما ونحن نفتتح الإجازة الصيفية، فبعد أن كان موضوعاً غامضاً لا أبعاد محلية له، غدا لبّ رؤية المملكة الاقتصادية والاجتماعية للعام 2030 التي لا نبعد عنها بأكثر من اثني عشر عاماً، مشروعات عملاقة وآمال واسعة بتوفير فرص العمل والإبداع والحياة الممتعة داخل حدودنا لأجلنا وأجل اجتذاب سياح العالم أيضاً في مشروعات استثمارية لم نعرفها من قبل. والاهتمام بالسياحة بدأ منذ تشكلت هيئة السياحة ثم ضمت إليها الآثار حتى صارت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، كان اكتشافاً لنفسها مع اكتشاف آثارنا التي ما فتئت الاكتشافات تترى فيه كل يوم عن عهود تعود إلى آلاف السنين. وتغيرت كذلك سياسات الآثار خلال العقدين الماضيين من سعودة كاملة للعمل الأثري إلى دعوة البعثات الأثرية الأجنبية للعمل في مواقع مختلفة من المملكة تنقيباً وبحثاً ونشراً مع الشراكة مع الهيئة وإدخال بعض العناصر السعودية معهم هنا وهناك، فهناك البعثة الألمانية في تيماء والدوسرية والرجاجيل، وأخرى لمسح الآثار الغارقة في البحر الأحمر، والفرنسية في مدائن صالح وكلوة ونجران، والأميركية في جرش والبلجيكية في الغاط واليابانية في الجوف وتبوك والبريطانية في فرسان والدوادمي وجبة وغيرها. وبين ليلة وضحاها أصبحت المواقع التي كان البعض يخاف ويحذّر ويرهّب من المرور بها أو الإقامة والعمل فيها، إلى أن تصبح مركز المشروعات الاستثمارية الضخمة كنيوم وغيرها.
وهو أمر وإن كان محموداً ولكنه يحتاج لضبط ومتابعة على أكثر من مستوى، أولها التأكد من أن الشراكة السعودية حقيقية وليست محتكرة في عدد محدود، وأنها تعني شراكة حقيقية مع الطاقات السعودية، من جانب آخر، تدريباً وتأهيلاً في هذه الفرصة النادرة التي يحظى بها طلبة الآثار لدينا وقريباً إن شاء الله طالبات الآثار أيضاً، من احتكاك بخبرات الدول المتقدمة في التنقيب عن الآثار وفي ضبط الأدلة وفهمها ودراستها وتوثيقها.
وما يستوقفني في هذه العجالة هو أمر التعاطي مع هذه الآثار، الكنز المدفون الذي تم الكشف عن لآلئه على حين غرة وكيف يتعامل معه مشروع تنمية السياحة الوطنية الذي أطلقته الهيئة العليا للسياحة والتراث الوطني منذ العام 2001 ومازالت مراحله لم تكتمل. وسبب التوقف هو القلق على تحول الآثار إلى تجارة سياحة بدلاً من أن نُحول السياحة إلى رفع للوعي الوطني بعمقنا التاريخي والحضاري. والتخوف مرتبط بضعف الشفافية في بعض مناحي الأمور المتعلقة بالآثار، فعلى سبيل المثال قررت الهيئة إغلاق أهم موقع أثري في المملكة هو مدائن صالح وجبل عكمة بالعلا لمدة عامين كاملين ابتداء من هذا الشهر مما أثّر وسيؤثر سلباً على الكثير من البرامج السياحية التي كانت الهيئة قد شجعت على تبنيها كوجهة أولى. ولو أن السبب الذي أعلنته الهيئة، هو القيام بالأبحاث والمزيد من التنقيب فإن هذا يبدو مستغرباً لاسيما وأن مدائن صالح أصبحت الوجهة السياحية الأولى للسياح الذين نشجعهم على زيارة المملكة، والتنقيب كان قائماً فيها خلال زيارات السياح كما هو الحال في أي مكان في العالم أيضاً إلى مناطق يتم تسويرها بشكل لا يغطيها بالكامل، لكن ما يجري اليوم يتطلب من الهيئة أن تكون واضحة أكثر في خططها لهذا الموقع التاريخي العزيز علينا.
التعليقات