حين تقدم أو تكتب عن علم أو قامة بمكانة الشيخ حمد الجاسر فأنت أمام اختبار مع قدراتك العلمية والإعلامية، فالرجل في جميع نشاطاته الأدبية والتاريخية والجغرافية، ظل اسماً سامقاً، بزّ كثيراً من أقرانه في مجال بحوثه ومؤلفاته، لاسيما ما يتعلق بتاريخ الجزيرة العربية بلدانها وأعلامها وأنسابها، فالشيخ في إنتاجه البحثي ومخرجات مدارسه التاريخية، موسوعة علمية، ودائرة معارف أدبية، إليه تتجه أبحاث الدارسين، وإلى مكتبته ترد رسائل الباحثين، وهو في بحوثه وجملة إنتاجه العلمي والأدبي مهوى ومقصد الطلاب والمحققين.
ذلك هو حمد بن محمد بن جاسر الذي ولد العام 1328هـ الموافق للعام 1910م في قرية البرود من إقليم السر في منطقة نجد، من أسرة آل جاسر من بني علي من قبيلة حرب، بدأ تعليمه في كتّاب القرية، وفيها تعلم القراءة وحفظ القرآن الكريم، ثم ذهب به أبوه إلى مدينة الرياض العام 1340هـ، فمكث عند أحد أقاربه من طلبة العلم ويدعى عبدالعزيز بن فايز، وهناك تعلم شيئاً من مبادئ العلوم الدينية في الفقه والتوحيد، عاد من الرياض العام 1342هـ، وهناك في بلدته البرود تلقى خبر وفاة والده فتولى جده لأمه علي بن عبدالله بن سالم مهام تربيته، كان جده إمام مسجد قرية البرود، وكان الفتى حمد يساعد جده في الإمامة، كما تولى آنذاك تعليم الصبيان في القرية حتى العام 1346هـ، حيث عاد إلى الرياض وأكمل مشواره لطلب العلم على يد عدد من العلماء، فقرأ متن الأجرومية، والأصول الثلاثة، وعدداً من الكتب والعلوم، ثم انتقل إلى مكة المكرمة العام 1348هـ، حيث التحق بالمعهد الإسلامي السعودي، متخصصاً في القضاء الشرعي.
مشواره الوظيفي
عمل في بداية مشواره الوظيفي مدرساً، في مدينة ينبع من عام 1353هـ إلى عام 1356هـ، ثم صار مديراً للمدرسة، بعدها عمل في السلك القضائي كقاضٍ في مدينة ضباء، ثم سافر إلى القاهرة عام 1358هـ للدراسة بكلية الآداب في جامعة القاهرة، لكنه عاد بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث أعيدت البعثة السعودية من هناك، وعقب العودة عاد إلى التدريس فدرّس في مناطق عديدة في المملكة، وشغل مناصب تربوية مختلفة، منها رئيس مراقبة التعليم في الظهران، ثم مديراً للتعليم في نجد عام 1369هـ، ويعتبر أول مدير لكليتي الشريعة واللغة العربية في الرياض، اللتين بدأت منهما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيما بعد، وأنشأ أثناء توليه إدارة التعليم في نجد مكتبة لبيع الكتب هي "مكتبة العرب" التي كانت أول مكتبة عنيت بعرض الكتب الحديثة تحت إشرافه، وكان الجاسر آنذاك نشطاً في نشر مقالاته في الجرائد والمجلات العربية كما كان مهتماً بجمع المخطوطات والبحث عنها وتحقيقها، كان عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية في القاهرة، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمّان، وعضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية الأردني في عمّان، والمجمع العراقي في بغداد والمجمع العلمي في الهند.
صحافة وتاريخ
ظلت المنطقة الوسطى في السعودية تعترف بالفضل لجهود حمد الجاسر وعبدالله بن خميس في نشأة الصحافة والطباعة فيها، كما ذكر د.عبدالرحمن الشبيلي، فقد أصدر حمد الجاسر "مجلة اليمامة" في أغسطس 1953م، وتحولت إلى مؤسسة عملاقة يشارك في ملكيتها مجموعة كبيرة من المثقفين والمستثمرين، وأصبحت تنشر إصدارات صحفية وثقافية أخرى، كما جمعت علاقة علمية وبحثية قوية بين سعد بن جنيدل وحمد الجاسر، أنتجت أعمالاً معتبرة للبلاد والباحثين، فقد جمعت الصداقة بينهما، ونفذا رحلاتهما البلدانية على نفقة الدولة، في مسح المناطق جغرافياً وتاريخياً، وحصرا كل ما يتعلق بالتراث والمعالم الأثرية، ووقفا على الأماكن التاريخية بكل تفاصيلها، واشترك الشيخان في مشروع "المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية"، فكان من حصة ابن جنيدل كتاب "عالية نجد"، في ثلاثة أجزاء تقع (1390) صفحة.
تاريخ وأدب
وعمل حمد الجاسر في مجالات عدة منها قطاع التعليم، والقضاء، والصحافة والنشر، وأنشأ مؤسسة اليمامة الصحفية التي أصدرت مجلة اليمامة، وكانت أول مجلة تصدر في مدينة الرياض عام 1952م، وأتبعها بجريدة الرياض عام 1976م، وأخيراً مجلة العرب، وهي مجلة فصلية متخصصة في تاريخ وآداب شبه الجزيرة العربية، كما كان الجاسر قد أنشأ أول دار للطباعة في منطقة نجد عام 1955م، وفي عام 1966م أنشأ دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، وكان للجاسر العديد من المؤلفات العلمية التي ملأ بها فضاء المكتبة العربية، لاسيما فيما يتعلق بتاريخ وأدب وجغرافيا الجزيرة العربية، فقد كتب في السير والتراجم والبلدانيات، وأسهم في تحديد خطط وتوجهات مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي التي كان يملكها أحمد زكي يماني، باعتباره عضواً مؤسساً في المجلس الاستشاري الدولي لها.
مؤلفون مؤرخون
وظل الجاسر لسنوات عديدة يدعو الكتاب والباحثين والمؤرخين إلى ضرورة جمع مؤلف جغرافي يتضمن جميع أسماء المدن والقرى ومناهل البادية والمواضع التاريخية المشهورة من أودية وأمكنة مسكونة أو مواضع أثرية، وقد استجاب لدعوته عدد من المعنيين بالبحث العلمي فاتجهوا للتأليف عن المناطق والبلاد التي يعرفونها، فكان أن كتب محمد بن أحمد العقيلي عن منطقة جازان، وعلي بن صالح الزهراني عن بلاد غامد وزهران، والشيخ محمد العبودي عن بلاد القصيم، وعبدالله بن خميس عن بلاد اليمامة إمارة الرياض، وسعد بن جنيدل عن عالية نجد وكتاب الشيخ الجاسر عن شمال المملكة، بعدها بسنوات بادرت الرئاسة -الهيئة- العامة لرعاية الشباب بإشراف مباشر من قبل الأمير الراحل فيصل بن فهد على إصدار سلسلة "هذه بلادنا" التي اتسقت مع مطالب حمد الجاسر -رحمه الله-.
شمولية الاطلاع
وعُرف عن الجاسر قوة حفظه وشمولية اطلاعاته وحرصه على اقتناء كل ما من شأنه ترجيح المعلومات المتناثرة وربط بعضها ببعض، ويؤكد د.عبدالله الهدلق أنه لم ير من العلماء من هو أقوى حافظة منه، ولا أكثر تقلباً في الحياة، ولا أشد انقطاعاً إلى العلم وتمحضاً له، وذكر أنه كتب في إحدى المقالات "عالم الجزيرة الشيخ حمد الجاسر"، وعرض المقالة عليه تمهيداً لنشرها، فقال له: جزيرة أنا عالمها جزيرة جاهلة، وطلب منه حذف هذا الوصف، مكتفياً بـ"الشيخ حمد"، كما روى له الجاسر أنه إذا حضر جلسات مجمع اللغة في أيام رئاسة طه حسين، وجرى ذكر جزيرة العرب، كان طه حسين يقول: "إذا قال الشيخ حمد الجاسر قولاً في موضع من مواضع الجزيرة العربية فالقول قوله، فهو أعلم بها منا".
أدب الرحلات
وكتب عصام محمد الشنطي شيخ مفهرسي المخطوطات بحثاً عن كتاب "رحلات حمد الجاسر للبحث عن التراث"، بمجلة العرب عام 1418هـ تحدث فيه عن كتب الرحلات عند العرب، وأقسامها، رحلات جغرافية وبحرية وبرية، تخترق البلاد إسلامية وغير إسلامية، أما رحلات الشيخ حمد الجاسر، فهي متنوعة الأهداف، ومختلفة الدواعي والمقاصد، إمّا إلى بلاد عربية أو إسلامية، أو أجنبية أوروبية وأميركية؛ بقصد الاطِّلاع على التراث العربي في مخطوطاته، يصف ما يختاره منها، ويصور ما يستطيع، أو رحلات داخل الجزيرة العربية، ليحقق مواضع تاريخية، أو أصول قبائل، كان يخص كتاب "رحلات حمد الجاسر للبحث عن التراث"، من أجل البحث عن التراث، دون أهداف أخرى، ويرى الشنطي أن الكتاب من أنفع وأمتع ما أنتج الجاسر.
وأوضح الشنطي أن الجاسر قام برحلاته خارج الجزيرة العربية طاف خلالها كثيراً من أقطار العرب والمسلمين والأقطار الأجنبية، وذهب إلى كل مكان فيه مخطوطات وقد تناول الكتاب المخطوطات العربية، والحديث عن أهميتها ومسائلها ومشكلاتها، ولذلك فقد قضى الجاسر في تلك الرحلات نحو (13) عاماً، بهدف البحث عن المخطوطة العربية لاسيما النادرة منها، لاسيما وأنه بخبرته بالمخطوطات العربية، فتح آفاقاً للخريجين من الشباب العرب، ممن لديه استعداد للبحث والنظر في المخطوطات اختياراً وتحقيقاً ودرساً.
علم الأنساب
في كتابه "من سوانح الذكريات"، كشف حمد الجاسر عن اختلاف آراء عدد من القراء حول بعض مما كتبه في علم الأنساب، وقال معلقاً ومجيباً على هذه الآراء: إن علم الأنساب إذا تعمق الباحث فيه، أدرك أنه من الأمور التي جاء ديننا الحنيف بالقضاء عليها، كغيرها من جميع الأسباب التي يبدو من خلالها استعلاء أو تميز بين طبقة وأخرى، أو بين فرد وآخر من طبقات المجتمع المسلم أو أفراده، ما لم يكن ذلك قائماً على أساس التفاضل بالأعمال، إلا أنه عاد وأشار إلى أن علم النسب عند العرب من أسس تاريخهم القديم، فينظر إلى هذا العلم بصفته مكملاً لتاريخ الأمة العربية، كما أن من المهتمين بالتأليف فيه علماء أجلاء، وأوجز رأيه الشخصي في أنه نظر إلى علم الأنساب نظرة عامة فرأى قوة ارتباطه بتراث الأمة، وأدرك أن بعض من تصدى للتأليف فيه وقعت منه أخطاء لا يصح التغاضي عنها ممن أدركها، فألف كتابي "معجم قبائل المملكة العربية السعودية، و"جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد"، وأنه في الكتابين ليس سوى ناقل لما هو متداول ومعروف، وما يزيد من تماسك المجتمع، كما أنه عمل على إزالة كثير من الأوهام التي توجهت لبعض القبائل.
مؤلفاته وتحقيقاته
وكتب حمد الجاسر في أدب الرحلات "رحلات حمد الجاسر للبحث عن التراث"، و"في الوطن العربي"، و"إطلالة على العالم الفسيح"، و"في سراة غامد وزهران"، و"في شمال غرب الجزيرة"، وله كتب في الأنساب منها "معجم قبائل المملكة العربية السعودية"، وكتاب "البرود"، و"جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد"، و"باهلة القبيلة المفترى عليها"، وله كتب في تحديد المواضع منها "المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية" (مقدمة المعجم)، و"قسم شمال المملكة"، و"قسم المنطقة الشرقية"، و"المعجم المختصر"، وكتب في تاريخ البلدان مثل "بلاد ينبع"، و"مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ" وهو من أشهر الكتب عن التي استعرضت تاريخ مدينة الرياض وجمعت شتات المعلومات التاريخية والجغرافية عنها، كما كتب الجاسر عن الخيل في كتابه "معجم أسماء خيل العرب وفرسانها"، وكذلك "أصول الخيل العربية الحديثة"، كما أنه كتب في التراجم والسير كما في كتابه "مع الشعراء"، الذي تراجم فيه لبعض الشعراء المجهولين، وله أيضاً كتاب "ابن عربي موطد الحكم الأموي في نجد"، ترجمة إبراهيم بن إسحاق الحربي في مقدمة كتاب "المناسك"، و"معجم المطبوعات العربية"، و"رحالة غربيون في بلادنا"، كما كتب في المباحث اللغوية "نظرات في كتاب تاج العروس"، و"ملاحظات على المعجم الكبير" مع آخرين، وحقق الجاسر -رحمه الله- العديد من الكتب ككتاب "رسائل في تاريخ المدينة"، و"الأماكن" للحازمي، و"الأمكنة والمياه والجبال" لنصر الإسكندري، و"المناسك" أو "الطريق"، "المغانم المطابة في معالم طابة" قسم الجغرافية، وكذلك "البرق اليماني في الفتح العثماني" لقطب الدين النهروالي، و"التعليقات والنوادر" لأبي علي هارون الهجري، في الشعر واللغة والمواضع والأنساب- دراسة وتحقيق، "الجوهرتين" للحسن بن أحمد الهمداني، و"الإيناس في علم الأنساب" و"أدب الخواص" للوزير المغربي، إضافةً إلى "المحمدون في الشعراء" للقفطي، و"شعر الشنفرى الأزدي"، و"معجم الشيوخ" لابن فهد، و"الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج، وطريق مكة المعظمة" للجزيري، و"جمهرة نسب قريش" للزبير بن بكار.
تكريم وجوائز
ومنحت الدولة حمد الجاسر جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1404هـ، لإسهامه وعطائه الزاخر في إثراء ميادين الفكر والأدب، كما منح وسام التكريم من مجلس التعاون الخليجي عام 1410هـ، ووسام الملك عبدالعزيز عندما اختير الشخصية السعودية المكرمة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) عام 1415هـ، والدكتوراه الفخرية عام 1416 هـ من جامعة الملك سعود، والحقيقة أنه كان مؤهلاً للحصول على أعلى الشهادات الأكاديمية لاسيما وقد قدم العديد من الرسائل العلمية، وأشرف بل حقق بنفسه عدداً من الكتب والمخطوطات التي يؤهله كل عمل منها لدرجة علمية جديدة، وكانت هذه الجوائز تقديراً لما قدّمه للساحة الثقافية السعودية من عطاء علمي وجهد بحثي وما أثرى به المكتبة العربية والإسلامية من كنز تاريخي وجغرافي وأدبي ولغوي، ولذا فقد نال جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1416هـ / 1996م، وجائزة سلطان العويس الأدبية في الإمارات العربية المتحدة في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي عام 1416هـ، وجائزة الكويت للتقدم العلمي عن كتاب "أصول الخيل العربية الحديثة" عام 1416هـ، كما حملت اسمه العديد من الدور والمرافق العلمية، لاسيما مدارس الأبناء بمراحلها المختلفة إضافةً إلى مستشفى في بلدة البرود مقر ولادته، وكذلك قاعتان الأولى بجامعة الملك سعود بالرياض، والأخرى في مؤسسة اليمامة الصحفية بالرياض، ومجسم جغرافي بارز وقاعة كبرى بجامعة آل البيت بالمملكة الأردنية الهاشمية، كما حملت العديد من الطرق اسمه في مدن مختلفة كمدينة تبوك، أما في الرياض فحرصت أمانة مدينة الرياض على أن يزين اسمه الشارع المجاور لمنزله في حي الورود بالرياض، وكذلك بادرة أمانة مدينة جدة بتسمية أحد شوارع حي الروضة بجدة باسمه تقديراً لجهوده وأعماله الكبيرة.
تقديمه للكتب
وقدم حمد الجاسر لعدد من الكتب مثل "اكتشاف جزيرة العرب: خمسة قرون من المغامرة والعلم" لجاكلين برين، وترجمه قدري قلعجي 1390هـ، وكذلك كتاب "شاعرات من البادية" للأديب والباحث عبدالله بن محمد بن رداس، و"المملكة العربية السعودية دراسة بيبليوجرافية" 1398هـ، و"أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء" لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري 1403هـ، و"تاريخ الأفلاج وحضارتها" لعبدالله بن عبدالعزيز الجذالين 1413هـ، و"ديوان الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن هليل قبيلة الظفير: دراسة تاريخية لغوية، مقارنة بروس أنغام ترجمة عطية الظفيري، و"من جوانب العدالة عند الملك عبدالعزيز" لعبدالرحمن بن صالح آل عبداللطيف، 1419هـ، إضافةً إلى "آل معمر وإمارة العيينة" لعبدالمحسن آل معمر، و"الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى" لمحمد العيسى، و"الصمان: بحوث وتحقيقات جغرافية ميدانية وتاريخية لمنطقة الصلب والصمّان لسعد الشبانات 2000م، إلى جانب "بني تميم في بلاد الجبلين" لعبدالله بن صقيه، و"قبيلة العوازم دراسة عن أصلها ومجتمعها وديارها" لعبدالرحمن عبدالكريم العبيد 1971م.
وفاته
يقول محمد رضا نصر الله أن حمد الجاسر كان حريصاً على تعليم بنيه تعليماً جامعياً راقياً، فيما ينفع الناس، نائياً بهم عن اهتمامه الدقيق بدراسة المواقع الجغرافية في الشعر العربي القديم وأدبه، واعياً أن عصر أبنائه يواجه تحدياً آخر، هو التحدي العلمي الذي جعل الغرب ممسكاً بزمام الحضارة الحديثة، ومع ذلك فإن بنات الجاسر وابنه، لم يبتعدوا عن روح أبيهم الثقافية، الوطنية والقومية والإسلامية، بل تشبثوا بها، محاولين بإحياء تراثه والتواصل مع أصدقائه، تثبيت الجاسر في المكان الذي استحق انتزاعه بجدارة، حتى يبقى حضوراً مستمراً في الأجيال المتعاقبة من بعده.
وتوفي حمد الجاسر في يوم الخميس 16 رجب 1421هـ -14 سبتمبر 2000م- بعد حياة حافلة بالعطاء، وكان قد تزوج من السيدة هيلة بنت عبدالعزيز العنقري وله ستة أبناء أكبرهم محمد الذي توفي في حادث تحطم طائرة، تليه مي ثم هند ثم سلوى ثم معن ثم منى، ولا شك أن وفاته كانت حدثاً فارقاً ومحزناً فقدت فيه المكتبة العربية علماً من أعلامها الأفذاذ الذين نحسبهم -بإذن الله- ممن طال عمره وحسن عمله رحمه الله رحمة واسعة.
التعليقات