في بداية هبوب عواصف الربيع العربي المسمومة المنطلقة من تونس بحادثة إحراق محمد البوعزيزي نفسه احتجاجاً على مصادرة الشرطية التونسية عربة بيع خضاره، وما تبع ذلك من احتجاجات شعبية عارمة إذ أجبرت الرئيس بن علي المخلوع على الفرار بطائرته، حيث برز إلى المجال التونسي العام المكبوت من التباينات الحزبية مما أدى في الأخير إلى الاحتكام للصندوق الانتخابي في اختيار ديموقراطي على من يحكم تونس.

لم نجد مثل هذا في سورية، حيث توالت الاضطرابات الشعبية في الدول المحكومة بالنظم العسكرية والحكم الفردي المستبد ما كان ذلك ممكناً قط.

وقد غاب عن المجال السوري العام أي شكل من أشكال التعبير السياسي الحر رغم قابلية مجتمعه للحكم المدني بوجود نخبة سياسية متعلمة تعليماً حديثاً، التي قضى على تطلعاتها السياسية انقلاب حسني الزعيم سنة 1949م، هذا الذي دشن عهد الانقلابات العسكرية في العالم العربي، مدمرة بروز ملامح التداول السلمي على السلطة في معظم دول العالم العربي المحتلة بريطانياً وفرنسياً قبل رحيل جحافلهما عن أراضيها.

إن عالم الاجتماع السياسي يدرك أن الوضع المتفجر اليوم في سورية كما تفجر من قبل في العراق وما آل إليه من تدخلات دولية وإقليمية يكمن في هيمنة حكم أقلية على مقدرات أهم حاضرتين في دولة الخلافة العربية الإسلامية، وفشلهما في إدارة التنوع المذهبي والاثني في كلا البلدين بعد نهج نظام صدام والأسد أسلوبهما الحديدي في قمع تطلعات الشعبين نحو حكم رشيد هو ما صير سورية والعراق ساحة مفتوحة للصراعات الدولية والأطماع الإقليمية، فإذا كان الأميركان وجدوا في العراق ضالتهم بعد حرب الخليج الثانية في حضور لوجستي يقف أمام أطماع روسيا القديمة نحو مياه الخليج الدافئة، فإن روسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وجدت في سورية غنيمتها من بقايا صراعها في الحرب الباردة، خاصة أن ما اشتعل من نيران حروب الإسلام السياسي في المنطقة على إثر هزيمة المجاهدين في أفغانستان وجدت روسيا فيه ذريعتها في الاحتفاظ بسورية سداً منيعاً دون وصولهم إلى داغستان في روسيا بعد استقلال الجمهوريات الإسلامية من فلك الاتحاد السوفييتي، هذا كله يجري في سياق استعادة روسيا نفوذها في ساحة الصراع الدولي، ومحاولتها البوتينية المستميتة في القضاء على النظام الدولي الأحادي القطبية باستفراد واشنطن عليه، ومن ناحية أخرى فإن تسلل النظام الإيراني إلى إحدى قلاع العروبة في العصر الحديث شجع النظام التركي على استعادة أطماعه العثمانية القديمة في جارته العربية المتماثلة مع تركيا ذات التركيبة الفسيفسائية المذهبية والعرقية، هذا هو ما يجري اليوم في سورية، ساحة مستباحة أمام الأطماع الفرنسية والروسية والأميركية من ناحية، والأطماع الإيرانية والتركية من ناحية أخرى، في ظل غياب عربي مؤثر في أحد أهم الأركان الذي قام عليها النظام الإقليمي العربي، وهذه أبلغ رسالة مؤلمة للقمة العربية المنعقدة الآن في الظهران.