معروف تاريخياً أن المنتصر في الحرب، هو من يوقع صك هزيمة خصمه، وتقييده باتفاقات الاستسلام والخضوع لكافة الشروط، ومع أن تاريخ العالم مليء بالأحداث، فمع تقدم الأسلحة وانتشارها، جاء مبدأ الحوار بين الدول المتعادلة بالقوة لحل أعقد القضايا ولو بتنازلات لا تجرح كبرياء أي منهم..

العرب وحدهم يقبلون الحوار مع الخصم الخارجي، ولو بتنازلات مؤلمة، لأن الدولة لا تملك القاعدة الوطنية المتماسكة، والشريكة في صنع مصيرها والداعمة لمواقفها، ولعلنا نعرف كم من قرار لمجلس الأمن والأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية بقيت حبراً على ورق، ونفس الأمر مع تدخلات عسكرية من دون إذن من أي منظمة دولية، ودون استنكار من قبل المؤسسات والدول الداعية للسلام..

تبقى العقدة الأهم بين خلافات الدول العربية مستمرة فلا جامعتهم الشهيرة تملك شرعية فرض القرار، ولا منظماتهم تستطيع حلحلة بعض القضايا، من هنا جاءت الانسحابات من الاجتماعات وإعلانات القطيعة بين بلد وآخر، لأن مبدأ الحوار كل ينظر إليه من قناعات دولته، وبذلك عجزت الجزائر حل مسألة البوليساريو مع المغرب مثلاً، ولا المعارضات التي نشأت في ظل حروب الربيع العربي قادرة أن توحد صفوفها..

أما صراعات المذاهب والعلاقات مع الدول الخارجية، غربية أو شرقية حين تُفسر بأنها تحالف ضد دولة عربية، أو خلافات حدود أو وضع الثروات الوطنية تحت دوائر الاتهام، واعتبارها مسيسة ضدها، لا نجد في مسلمات الدول الأخرى المتساوية معنا بالظروف تأخذها كقطيعة دائمة، وتفسير هذا الواقع أن العربي، إن لم ينتصر على شقيقه بقوة الضغط، فإنه يفضل بقاء الخلاف مهما كانت النتائج السلبية، وهنا تعطلت مشروعات حيوية كالتعاون الاقتصادي كطريق يدفع بالأمور السياسية ألا تكون لها الأولوية أو تصبح الستار الحديدي بينها، ولعلنا، ونحن نستنطق التاريخ، نجد أن الدماء التي سالت بالحروب الكبرى في أوروبا، لم تمنعها وضع سوق مشتركة لتدخل المنافسة مع الاقتصادات الصينية أو الأميركية، ونرى دولاً آسيوية تحاول أن تعمل على نفس التجربة، رغم تباين الأعراف والأديان، ومثلها تكتل أميركا الشمالية، فقط العرب لا يملكون حس المنافع المشتركة..

تصوروا المشرق العربي يعلق خلافاته السياسية، ويدفع بالتنمية المشتركة الاقتصادية والبشرية، كيف ستتغير خارطته، وبناء هياكله كقوة مهمة في موقع استراتيجي قد يغير موازين إقليمية وعالمية، ونفس الأمر يصدق على المغرب، ومع ذلك أدرك أن مثل هذه الأماني صعبة التحقيق؛ لاستحالة قبول العربي الحوار والالتزام بقوانين الاتفاقات الملزمة، فثقافة المصالح غائبة تماماً، وهو ما أثبتته السنوات الخمسون الماضية عندما ينحاز فصيل ضد آخر ولو على أمور تافهة، ولذلك لا نجد حقيقة المكاشفة عن كل الأخطاء، على اعتبار الاعتراف بها هزيمة معنوية، لا يقبلها أي طرف، وبذلك اتسعت الهوات وبات العربي طريد شبح العربي المقابل..