هنا يأتي دور المواطن وأهمية استشعاره المسؤولية الوطنية فيما يتلفظ به أو ينشره عن بلاده، فالعالم يصغي باهتمام إلينا، على أمل العثور على فضيحة أو مثلبة يملأ بها صفحات الصحف الكثيرة، وساعات البث الطويلة، في ظل تنافس والصحف ووسائل الإعلام حول العالم على نقل الفضائح التي أصبحت تستهوي قطاعات واسعة من المتابعين حول العالم..

تطرقت في المقال السابق إلى حجم الأضرار الكبيرة التي لحقت بصورة المملكة لدى شعوب العالم من جراء من تروج له وسائل إعلام مغرضة، أو مضللة لا تعرف الكثير عن المملكة، وطالبت بضرورة وجود منصة، أو منصات، إعلامية سعودية تخاطب الآخر بلغته، وترد على ما يثار حول بلادنا من أكاذيب يروج لها بقصد الإساءة إلينا، في ظل توجه خطابنا الإعلامي إلى الداخل، وغياب شبه تام لأي صوت يتحدث باسمنا في الخارج، اللهم إلا بعض التصريحات القوية لهذا المسؤول أو ذاك تتلقفها مواقع التواصل الاجتماعي على نحو يجسّد قدر النقص الشديد في هذه المادة.

لكن القضية كانت أكبر وأعمق من تغطيتها في مقال واحد، أو حتى سلسلة مقالات؛ لقدمها، وعمقها، واتساع آثارها الكبيرة على بلادنا، فمنذ عقود وهناك من يرسخ لصورة بالغة السوء عن بلادنا في أذهان الشعوب، صورة بدأت تتحسن كثيراً في السنوات الأخيرة بعد نشاط حركة الابتعاث، وتحقيق قطاع كبير من أبنائنا وبناتنا المبتعثين نجاحات كبيرة جعلتهم موضع تقدير الشعوب الحاضنة لهذه النجاحات، كما لفتت الأنظار إلى أن ثم شيئاً ذا بال يتم إنجازه هنا في الداخل السعودي. وثمة خلاصة مهمة فيما يخص شأن الابتعاث والآثار الحميدة التي تركها في أذهان المخالطين لأبنائنا المبتعثين من شعوب العالم، ألا وهي أن بعض الأخبار الإيجابية التي تجسّد واقع المملكة تكون صادمة للآخر الغربي بعد حشو ذهنه بأباطيل عن المملكة وصل قدر السفه والتشويه فيها أن صدرت المملكة للآخر على أنها بلاد ما زال أهلها يستخدمون الجمال في تنقلاتهم. نعم يحدث هذا مع الأسف ويصدر للآخر في بعض مشاهد السينما العالمية التي تضع الخليجي/ السعودي في أنماط سلوكية مرفوضة، الأمر الذي يصدم الآخر حين يكتشف أن الأمور ليست كما يتصور على الإطلاق، وأن السعودية بلد حقق كثيراً من النهوض البشري والمدني. ويكفينا دليلاً على قوة الآثار الإيجابية للأخبار القوية التي تغير الصورة النمطية المسيئة للمملكة في أذهان الشعوب حول العالم، قدر الاهتمام العالمي غير المسبوق، ربما، بقرار السماح للمرأة السعودية باستخراج رخصة قيادة، ولعلنا ندرك جميعاً حجم الاهتمام الواسع حول العالم، حتى من قبل شخصيات هوليودية، غردت في حساباتها على شبكة التواصل الاجتماعي تويتر عن ارتياحها للقرار، وهذا يعكس أمرين، أولهما قدر الاهتمام العالمي للمملكة والمتابعة الكبيرة، لكن مع الأسف متابعة السلبيات، لأنها أكثر ما ينمو عنا إلى العالم، والأمر الآخر قدرة الأخبار الجيدة، على أن تكون قوية ولافتة؛ حتى تجتذب الإعلام، على التأثير في الاتجاه الإيجابي، وإشعار العالم بأن تغييراً كبيراً يعتري مجتمعنا، وأننا لا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم كما يروج عنه منذ عقود.

لكن هذا في الأخير يتركنا أمام تساؤل من الأهمية بمكان ألا وهو: من أين يستقي العالم هذه المعلومات التفصيلية في جميع شؤون حياتنا، مع قدر ظالم من التشويه والتجني؟ واقع الأمر أن هذه الصورة المشوهة لبلادنا مصدرها الرئيس بعض من اتخذوا اللجوء إلى منظمات المجتمع المدني والصحف العالمية، وسائل للضغط، ولا أريد اتهام أحد بشيء، لكنهم جميعاً؛ البريء حسن النية الراغب في التغيير، والمغرض المستخدم من قبل أنظمة معادية في المنطقة أساؤوا إلينا، فلا يمكننا أن نصف سيدة تصرح للصحف العالمية بأن النساء في بلادنا يعشن كالعبيد، بأنها حسنة النية، ولا يمكننا وصف من يقولون: إن المحاكمات القضائية في بلادنا جائرة، بأنهم حسنو النوايا.

وهنا يأتي دور المواطن وأهمية استشعاره المسؤولية الوطنية فيما يتلفظ به أو ينشره عن بلاده، فالعالم يصغي باهتمام إلينا، على أمل العثور على فضيحة أو مثلبة يملأ بها صفحات الصحف الكثيرة، وساعات البث الطويلة، في ظل تنافس والصحف ووسائل الإعلام حول العالم على نقل الفضائح التي أصبحت تستهوي قطاعات واسعة من المتابعين حول العالم، فلا يليق بنا أن نرفد الآخرين بنقائصنا ليتخذوا منها مادة لهم، أما من يفترون علينا ويروجون للأباطيل عنا حول العالم، فهؤلاء ينبغي أن يكون لنا موقف معهم، وأن يكاشف المواطنون بهذا الأمر، حتى لا يروج لهم على أنهم أبطال أو دعاة حرية.