كنت أنوي التحدث عن معرض الرياض الدولي للكتاب ما له وما عليه، ولكني سأؤجل ذلك للأسبوع المقبل، فمقابلة ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان البارحة فجراً مع قناة الـ CBS الأميركية وفي برنامجها الأشهر «ستون دقيقة»، فرض نفسه على كل العناوين ووسائل الإعلام ولا يُفوّت، ليس لأنها أول مقابلة مع ولي العهد منذ مقابلة الملك عبدالله العام 2005 في تلفزيون أميركي، ولكن بما في محتواها من أسئلة صعبة وإجابات مهمة لا تُلمّع وإنما تُواجه، وتستكمل الطريق الذي آلى على نفسه منذ أول مقابلة له على العربية العام الماضي.

منذ زمن طويل ونحن نردد أننا بحاجة لتغيير سياستنا في مواجهة نقد الآخر لنا وذلك بأن نقوي الداخل. نحتاج أولاً أن لا نخشى من النقد، وإنما أن نستثمر في الداخل.. أن نحسّن منه حقيقة ومن ثم نترك العالم يقول ما يشاء، بل لن نعود بحاجة لأن نهدر هذه المبالغ الطائلة في تحسين صورتنا التي ستتحسن تلقائياً وسنجد المدافعين عنا من الشرق والغرب.

مقابلة ولي العهد كانت من هذا النمط الجديد من المقابلات التي بُنيت على الصراحة ومواجهة الحقيقة مهما كانت مرة، الاعتراف بالواقع ومن ثم إيضاح الخطوات التي تتخذها المملكة في هذا الخصوص، بأننا نعي بوجود هذه المشكلة أو تلك ونعمل على حلها.. أو أن ما تبقى القليل.. كما صرّح بالنسبة للتمييز الحاصل في الأجور بين الجنسين والذي كان من المسكوت عنه لزمن طويل لا سيما في القطاع الخاص وعندما طُرح كتوصية في مجلس الشورى استنكر القاصي والداني، وها هو الأمير يصرّح بحقيقة الأمر وبأننا نعمل على إزالة هذه الفروق. كما أن الأمير واجه صراحة قضية ولاية الأمر على المرأة التي تطالب النساء منذ عقود رفعها عن المرأة العاقلة الراشدة والتي اكتسبت زخماً أكبر بين الشابات في العامين الماضيين وقد أخذت الأمثلة والتجاوزات في هذه القضية تتضح أكثر وأكثر على الملأ، واليوم ها هو الأمير يقول إن المرأة ما زالت تحتاج ولي أمر يوافق أو لا يوافق على سفرها وكثير من شؤونها وأن هذه قضية في سبيلها للحل قريباً قائلاً: «إننا قطعنا فيها شوطاً كبيراً وبقيت مسافة قصيرة». ولعله يشير في ذلك إلى الأمر السامي الذي أصدره الملك سلمان العام الماضي بأن تقدم كل وزارة وإدارة أنظمتها التي تشترط ولي أمر في تقديم خدماتها لمراجعتها نظامياً وشرعياً، وتوجيه الأمر لها بأن لا تمنع عن المرأة أياً من خدماتها.

كما تناول سمو الأمير ما يعنيه بالإسلام المعتدل، وهو أمر أشار إليه كثيراً في المقابلات والتصريحات الماضية التي صدرت عنه، واليوم يعطي المعنى بعداً آخر، فيقول: «هناك العديد من الأفكار التي تتناقض مع طريقة الحياة في زمن الرسول والخلفاء، وهذا هو المعيار والنموذج الحقيقي الذي يجب أن نتبعه» ثم أعطى مثالاً فقال: «يجب على المرأة أن ترتدي ملابس لائقة ومحترمة مثل الرجال ولم تُحدد بشكل خاص العباءة السوداء أو النقاب ويجب أن يكون القرار متروكاً تماماً للمرأة لتختار أياً من الملابس اللائقة والمحترمة التي تفضل أن ترتديها». إننا هنا نتحدث عن عدد من الموضوعات الخلافية والتي كانت تُقاد النساء لأجلها للحجز والسجن والمحاسبة وفق هوى بعض الأشخاص ممن كانت لهم سلطة أساؤوا استخدامها لتقييد خيارات النساء دون وجه حق، نتحدث عن حرية الاختيار واحترام قرار المرأة وقدرتها على التمييز مثلها مثل الرجل الراشد.

إن هذا غيض من فيض فما استكمله ولي العهد تناول عدداً آخر من القضايا الشائكة كالفساد ومعتقلي الرأي حيث أعلن التزامه فيها بمتابعتها وتقديم المعلومات بخصوصها والتزامه بالقضاء على التطرف والراديكالية. وأهم نقطة كانت قوله «إن لدينا قصوراً في المعايير الخاصة بنا».