فقط الصدفة تبقى ضمانة رئيسة لنجاح مؤسسة ما؛ شركة، أو نادياً، أو جهة خدمية، حين يكتب لها الله وصول شخص طبيعي إلى موقع قيادتها. وأقول طبيعي لأن أدنى قدر من إرادة التغيير/ التطوير لدى قيادة إدارية ما سيكون كفيلاً بإحداث أثر ملموس في أدائها ..

لا شيء على الإطلاق يضمن نجاح أي مؤسسة عربية سوى أن تضعها الأقدار في طريق شخص حكيم موهوب يمتلك الدراية الكافية بعلم الإدارة، أو لنكون موضوعيين أكثر، يجيد فنون اجتذاب الناس إليه وتحفيزهم ويمتلك إرادة التطوير، فالحديث عن علم الإدارة في أوطاننا العربية يعيش غربة كالتي تعيشها عروض الأوبرا، لا يفهمها إلا قليل ممن عاشوا شطرا كبيرا من حياتهم في الدول الغريبة وانخرطوا في ثقافتها، لكنهم في الأخير يبقون أشخاصاً يصعب الاستفادة من خدماتهم، لوجود فجوة كبيرة بين ما يعرفونه عن علم الإدارة وما نمارسه نحن هنا من فنون القفز فوق كل شيء من أجل أهداف كثيرة ترتبط ببقاء المسؤول على مقعد إدارة المؤسسة، أو غيره من الأهداف الشخصية، أكثر مما ترتبط بتطوير أداء المؤسسة الذي يأتي في مرتبة متأخرة. ولا أجد برهاناً على صحة حديثي هذا أشد سطوعاً من الحالة المتردية التي يشهدها قطاع كبير من مؤسساتنا العربية على اختلاف اختصاصاتها.

فقط الصدفة تبقى ضمانة رئيسة لنجاح مؤسسة ما؛ شركة، أو نادياً، أو جهة خدمية، حين يكتب لها الله وصول شخص طبيعي إلى موقع قيادتها. وأقول طبيعي لأن أدنى قدر من إرادة التغيير/ التطوير لدى قيادة إدارية ما سيكون كفيلاً بإحداث أثر ملموس في أدائها، فحتى لو افترضنا ضعف قدرات الرجل الإدارية فإن اختياره لمجموعة من المختصين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة وإصغاءه جيداً إليهم، وإسناد مهمة تنفيذ مصالحهم إلى مجموعة من الأكفاء الجادين، سيكون ضمانة لتحقيق قدر ملموس من النجاح قابل للتطور بقدر ما امتلك هذا الإداري من مبادئ علم الإدارة، ومن ملكات ودراية بتفاصيل دورة العمل في مؤسسته، وأيضاً من ملكات وقدرات شخصية في التعامل مع البشر واجتذابهم إليه، وكسب انتمائهم للمؤسسة. أما أن يجلس أحدهم على رأس الهرم الإداري في مؤسسة ما، في غفلة من الزمن ولأسباب غامضة بل مريبة أحياناً، من دون أن يكون لديه من العلم أو الدراية أو الخبرات أو حتى مؤهلات التواصل الإنساني التي تمكنه من الاضطلاع بمهام وظيفته، فهذه ضمانة كبيرة لفشل غير مسبوق تدفع ثمنه المؤسسة وجميع من ترتبط مصالحهم بها.

لا أود الاسترسال في الأسباب الغريبة والمريبة بل والمثيرة للسخرية أحياناً التي قد تدفع بأشخاص غير مؤهلين إلى رأس الهرم الإداري في المؤسسات أحياناً؛ ليقيني بأنكم ربما تعرفون منها أكثر مما أعرفه، لذا سأركز أكثر على مكمن الداء، ويتركز في أكثر من سبب يتصدرها جميعاً حالة جهل عامة بعلوم الإدارة وفنونها، يلي ذلك اختيار بعض القيادات من خارج التخصص ومن خارج المؤسسات التي توكل إليهم إدارتها مع وجود أشخاص في تلك المؤسسات لديهم الخبرة والدراية الكافية لقيادة تلك المؤسسات، واستكمال البرامج التي وضعتها القيادة السابقة، فتأتي القيادة الجديدة بخطط جديدة وسياسات جديدة وبطبيعة الحال تبدأ من الصفر على حساب الخطط القديمة التي تجهض وتبدد الميزانيات التي أنفقت عليها بعدما تذهب أدراج الرياح، أيضاً من الأسباب حالة العظمة التي تتلبس كثيرين ممن يجلسون على مقاعد الإدارة في مؤسساتنا، وتضخم الأنا لدى هؤلاء الأشخاص، حتى إن بعضهم يحدثك فيقول لك في عهدي فعلت كذا وكذا، فتتحول المؤسسة بمشروعاتها بمنتسبيها وبمراجعيها وبجميع من ترتبط مصالحهم بها إلى رعايا لعهد مديرها الميمون الذي يتحول إلى مملكة صغيرة عمرها من عمر بقائه مديراً لها، تقوم على تقديم فروض الولاء والطاعة لسعادة المدير الذي يتحول إلى حالة جنون عظمة يقرب منه من يغذي شعوره المرضي من المتملقين والوصوليين واللصوص، ويقصي أصحاب الخبرة والدراية من الحريصين على تطوير المؤسسة ورفع كفاءتها، فلا مكان لهؤلاء في مثل هذه البيئات الإدارية التي تتحول إلى مسرح عبثي قد يعتريك الضحك أحياناً أمام مشاهده الغرائبية التي لا تخضع لأي من قواعد العقل والمنطق، ولكنه، كما قال المتنبي، «ضحك كالبكا».