أما أن نحول شبكات التواصل إلى أدوات لترويج الشائعات والافتراءات والكذب على عباد الله، تحت دعوى أنها وسائل إعلام جديد، فهنا نكون قد خرجنا بهذه الشبكات عن وظيفتها الأساسية، وحولناها إلى أداة قتل، والأصل فيها أنها أداء لإثراء الحياة وتيسيرها وتطويرها..
السكين التي نستخدمها في تقطيع الفاكهة وغيرها من مواد الطهي والطعام، هي نفسها السكين التي يستخدمها من يقدمون على إنهاء حياتهم في قطع أوردتهم.. السيارة التي اخترعت لتنقلنا على متونها إلى وجهاتنا البعيدة، هي نفسها السيارة التي يحولها بعض المتهورين إلى آلة لقتل الآخرين وقتل أنفسهم، بل أيدينا نفسها التي نصافح بها الآخرين، يمكن أن نستخدمها في خنقهم والإجهاز عليهم. يتوقف مدى نفع شيء ما، أو ضرره، على غايتنا من استخدامه، وعلى طريقة هذا الاستخدام، والأمر نفسه ينطبق على شبكات التواصل الاجتماعي التي يحملها كثير منا عبء كل أزمة تسببت فيها؛ إذ إن واقع الأمر أننا نحن من نتسبب في الأزمات بسوء استخدامنا، وليست شبكات التواصل التي ما طُورت إلا من أجل التواصل، وتقريب المسافات الإنسانية بين الناس، في ظل اتساع حركتهم وتباعد المسافات بينهم، وازدحام حياتهم بالأعباء التي قد تصعب عليهم التواصل المباشر على نحو منتظم، فضلاً عن مساعدة هذه الشبكات على جمع أصحاب الهوايات والاهتمامات وغيرها من القواسم المشتركة بين الناس على مقربة في جماعات متشابهة، إلى ما يصعب على الحصر والإحصاء من الوظائف العظيمة لهذا المنتج البشري التقني عظيم النفع.
أما أن نحول شبكات التواصل إلى أدوات لترويج الشائعات والافتراءات والكذب على عباد الله، تحت دعوى أنها وسائل إعلام جديد، فهنا نكون قد خرجنا بهذه الشبكات عن وظيفتها الأساسية، وحولناها إلى أداة قتل، والأصل فيها أنها أداء لإثراء الحياة وتيسيرها وتطويرها.
ولا أعرف حقيقة من صاحب فكرة أن شبكات التواصل وسيلة إعلام بديل، أو جديد، أو اجتماعي، أو غيرها من الصفات التي مررت هذه الفكرة إلى الناس، وجعلتهم يتوهمون أن كل واحد منهم من حقه الاضطلاع بدور الصحفي عبر حسابه على شبكات التواصل، حتى إننا أصبحنا نشاهد استباق كثير من الحسابات إلى بث الأنباء بعضها قبل بعض، للفوز بأكبر عدد ممكن من المتابعين، أو ربما بث الأنباء الحصرية والخاصة التي قد تكون نمت إلى علم أحدهم بحكم تخصصه أو اطلاعه على شؤون جهة معينة، حتى يصبح حسابه وجهة للناس، لكننا في واقع الأمر بهذه الممارسة نهدم فكرة التواصل من الأساس، ونجعل من هذه الشبكات منصات لتروج الأخبار، صادقها وكاذبها، بل تذهب الأمور إلى ما هو أخطر حين نفاجأ بتناقل أنباء تطعن في ذمة أناس شرفاء أبرياء، أنباء وشائعات لا أحد يعرف لها مصدراً، فقط أطلقها أحدهم عبر حساب وهمي، ثم وجدت من يتناقلونها ويروجون لها من دون تدقيق أو مراجعة.
وهنا يكمن الخطر في استخدام شبكات التواصل منصات للأنباء؛ لأن أصحاب الحسابات أشخاص عاديون لا خبرة لهم بالخطوات التي ينبغي على الإعلامي المهني اتخاذها قبل الشروع في بث خبر ما، ولا علم لهم بالتبعات التي تترتب على بث نبأ كاذب ينال من سمعة أحدهم، أو يتسبب في الإضرار بجهة ما، يحدث هذا في ظل غياب الرقابة، بل تعذرها، في ظل هذه الملايين من الحسابات التي غالباً ستكون وهمية. لذا تبقى التبعة على مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الطبعيين غير الوهميين أمثالنا، وتبقى أمانتهم العظيمة أمام الله، ألا يتحولوا إلى ناقلين أمناء لكل غث وسمين، ولكل ما يجدونه في طريقهم، صدقاً أو كذباً من دون تثبت، فيتسببون في الترويج لشائعات يعلم الله كم تنال من أعراض الناس وكرامتهم، بل ربما تتسبب في مضار لأوطانهم وربما لهم هم أنفسهم من دون أن يشعروا، ففعل من هذا النوع أشبه ما يكون بأن يلوث أحدنا مورد الماء الذي يشرب منه.
إن الحاجة ماسة إلى مراجعة ما نشاركه على حساباتنا، حتى تتحول صفحات شبكات التواصل الاجتماعي إلى عربات طائشة نقتل بها الناس، أو سكين نمزق بها أوردتنا.
التعليقات