لمدن بلادنا تاريخ مزدهر وتراث حافل تغنى به الشعراء وأشاد به البلغاء والفصحاء يداعبه غزل العشاق في سمر الليالي فحفظته المصادر وتلقفه الأواخر عن الأوائل ألم تسمع قول الأعشى القيسي البكري الوائلي يتغنى بمحبوبته ويقرنها بمعشوقته الأخرى مسقط رأسه منفوحة بقوله:
شاقتك من قتلة أطلالها
بالشط فا الوتر فالحاجر
فركن مهراس إلى مارد
فقاع منفوحة فالحائر
وهكذا عاش الشاعر في هذه البلدة منذ الجاهلية وحتى اليوم ولا زال اسمها.
تعود قصة السكن في منفوحة إلى كون قبيلة بني حنيفة بن لجيم بن صعب من بكر بن وائل لما نزلت حجر اليمامة «الرياض» بقيادة زعيمهم عبيد بن ثعلبة الحنفي، قدمت عليه بطون من أبناء عمومته من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب فطلبت الجوار بقربه بعد أن مكثت مع بني حنيفة فترة من الزمن ثم طلبوا من عبيد، أن يمنحهم أرضا بجوارهم فنفحهم جزءا من الأرض فسميت منفوحة.
ثم مالبثت فترة من الزمن إلا وقامت بعض الحروب والوقعات بين المدينتين حجر اليمامة «الرياض» ومنفوحة أشار لها الأعشى في شعره.
حفلت كتب التراث بذكر هذه البلدة حيث ذكرها الاصفهانى والهمداني والبكري وياقوت الحموي وغيرهم.
زار هذه البلدة عدد من الرحالة والمؤرخين ودونوا مشاهداتهم عنها.
وبعد دخول هذه البلدة في ظل الدولة السعودية الأولى إبان الصراع مع أمير الرياض دهام بن دواس آل شعلان وقفت إلى جانب الدرعية مما مثل تحولاً في ميزان القوى المحلية.
عرفت منفوحة بتعدد أحيائها التي جاء على ذكرها صناجة العرب الأعشى ولا زال بعضها معروفاً إلى اليوم.
وقد طالت يد الهدم كثيراً من معالمها وكان يتربع عليها العديد من المعالم و الآثار التي طمرتها عوادي الزمن والإهمال المتعمد من قبل وكالة الآثار والتي لم تعمل على إعادة أي أثر لها حتى اليوم وللأسف الشديد.
شهدت منفوحة عدداً من العلماء الذين زاولوا مهنة التعليم والقضاء عبر مر العصور.
عرفت منفوحة بكثرة النخيل والأشجار والتي مازالت قائمة إلى اليوم، واقتطع الطريق الدائري الجنوبي بعض مزارعها المشهورة ومعالمها حيث أزيلت في عام 1406ه.
تداول على إماراتها عدد من الأسر المشهورة من قبيلة بني قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل كالجلاليل ومنهم والد دهام بن دواس آل شعلان، وقد حالفوا قبيلة العفسة من مطير فترة من الزمن.
كما تولى إمرتها عدد من الأسر المشهورة في هذه البلدة، وعرف عنهم الشجاعة والولاء والمحبة لولاة أمرهم من حكام الدولة في مراحلها الثلاث من آل سعود.
وآخر من تولى إمرتها في العصر الحديث هو الأمير عبدالعزيز بن سليمان بن عثمان بن سيف وهم من بني قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل.
وقد زاول مهنه الغوص في صباه في بلد البحرين وعمل بالتجارة بين منفوحة والاحساء واشتغل بالزراعة وتملك بمنفوحة عدد من المزارع اشهرها الرفيعة والثليمة.
عرف عن هذا الأمير حسن الخلق والعفة والنزاهة والكرم مع حسن السيرة وبراعة الإدارة والضبط في العمل وهذا ليس غريباً فهو من رجال الملك عبدالعزيز رحمه الله وخريج مدرسته حيث ولاه الملك عبدالعزيز رحمه الله في عام 1355ه وقد جاء في خطاب الإمارة ما نصه:
(من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى الكرام سليمان بن مزروع وعيسى الجريوي وعبدالرحمن بن مزروع وصلطان الزمامي وعمر بن محمود وعبدالعزيز بن سلامة وعبدالله بن سلامه بن مزروع وإبراهيم بن سعيد وعبدالله بن سعيد وسعود بن سرحان وإبراهيم بن سحيم وعبدالعزيز بن محمود وعلي بن محمود وعلي بن محمود «أيضاً» وعبدالعزيز بن محمد وعبدالله بن مزروع وعبدالعزيز بن علي بن حسين سلمهم الله تعالى السلام عليكم ورحمه الله وبركاته الخط المكرم وصل وما عرفتوا كان معلوم مخصوص من قبل إمارة عبدالعزيز بن سليمان بن سيف واتفاقكم عليه فلا بأس هذا واصلكم له خط يلتزم بإمارته إن شاء الله وقد أوصيناه بما يلزم نرجو إن الله تعالى يوفق الجميع للخير هذا مالزم والسلام 14/رمضان/ 1355ه).
واستمر في الأمارة إلى تاريخ 1/7/1374ه. حيث أصبحت هذه البلدة مع غيرها من البلدات القديمة داخلة تحت وحدة إدارية واحدة يقودها الأمير الحازم والمحبوب سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله.
توفي الشيخ عبدالعزيز بن سيف رحمه الله في الثامن من رمضان من عام 1400ه وله من الأبناء عبد الله ومحمد .هذه ترجمه مختصرة لأحد رجالات الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى وأحد أعيان هذه البلدة، الذي خدم بلادنا العزيزة عبر أزمنة طويلة.
أخيراً أرجو من أمانة مدينه الرياض بتسمية أحد الشوارع باسمة ولتكن في مسقط رأسه في بلدة منفوحة وهى التي عودتنا على فعل ذلك في تسميتها لعدد كبير ممن خدموا بلادنا العزيزة مع الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى. كما أن عتبنا على أمانة مدينة الرياض عندما قامت بنقل بلدية منفوحة إلى محلة أخرى حيث كان من الأولى إبقاءها في محلها الذي يرمز على الأقل في الحفاظ على تراث هذه البلدة واسمها.
التعليقات