لم تكن عتاب المرأة الوحيدة التي سلكت طريقاً مغايراً عن المألوف في السعودية، وتحديداً عندما كانت في الثالثة عشر فأيقظ الراحل طلال مداح فيها عشق الغناء والموسيقى، لتبدأ منذ عام 1959 رحلتها الفنية الشاقة التي انتهت بوفاتها عام 2007 بعد صراع طويل مع مرض السرطان وهي على مشارف الستين عاماً.
عتاب أو كما لقبتها الصحافة منذ عقود "سمراء الأغنية العربية"، عايشت واقعاً يختلف في قسوته عن الباقيات، برغم أنها ليست الأولى التي حلمت بأن تكون فنانة فكانت، بل هناك الكثيرات غيرها، ولها الفضل مع العديد من زميلاتها وفي مقدمتهن ابتسام لطفي، وتوحة في فتح الباب للعشرات من بعدهن ممن فُرشت لهن النجومية على طبق من ذهب بعدما كانت تُفرش لمن سبقنهن بالغربة والوحدة والتهميش.
قصة عتاب كانت مختلفة عن الجميع، فحلمها بالفن والاستعراض حملها إلى خارج أحضان وطنها وعائلتها، وظلت عمرها بأكمله، حتى آخر يوم وهي تنتظر العودة والاستقرار في السعودية، عتاب التي حورب فنها ونُبذت وواجهت أبشع الشائعات والاتهامات، توفيت ولم تجد من يكرم سيرتها، برغم كل إسهاماتها في انتشار الفن السعودي في الخارج، ورغم مكوثها خارج البلاد إلا أنها لم تستخدم سوى إيقاعاتنا وموروثنا وتعكس إبداعاتنا الشعبية.
فرضت عتاب اللهجة السعودية أينما حلت، غنت ما عشقت أن تبوح به، كأول خليجية تغني لأهم الأسماء كفايق عبد الجليل"رحمه الله" والأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبد المحسن، والشاعرة ثريا قابل وغيرهم الكثير. فيما كانت من الأوفر حظاً عندما اقترن اسمها أكثر من مرة بطلال مداح، كمكتشف لموهبتها ومرات كملحن وداعم فني حقيقي، بالإضافة لعبدالرب إدريس والموسيقار محمد الموجي وسراج عمر وآخرين.
يحمل أرشيفها العشرات من الأغاني الخالدة حتى اللحظة، وتكاد تكون الفنانة الخليجية الوحيدة التي يحفظ أرشيفها معظم الصغار والكبار دون أن يعرف الكثيرون منهم أن تلك الأغنيات تعود لها، من أهمها "جاني الأسمر جاني، متى أشوفك، بدا يحبني، بشروني عنك.. وغيرها"، بالإضافة إلى أنها من أوائل من طرقوا أبواب الشعراء العراقيين وغنوا لهم بإتقان قبل أن تأخذ الكلمة والأغنية العراقية هذا الحيز من اهتمام نجوم الخليج جميعاً.
عتاب التي ذاقت الأمَرّين وهي تصارع في سبيل عشقها للفن والفن فقط، لم تندب حظها العاثر يوماً، لم تكن تشكو قلة حيلتها وهي مُقصاة رغم كل مجهوداتها، بل مارست الفن بكل أشكاله وعبرت عن محبتها له ليس فقط عبر أغنياتها وأدائها على المسرح، بل كانت خلاقة في عصر البساطة و"اللا تكنولوجيا"، وابتكرت فكرة "عتاب شو" العبارة عن مجموعة من الأغنيات المصورة فيديو كاسيت، وحققت نجاحاً كبيراً استمر حتى اللحظة، كما شاركت في تقديم برنامج "جلسة طرب" مع الشاعر الكويتي بدر بورسيلي وتألقت لمدة من الزمن كفنانة محاورة من الطراز الرفيع.
اليوم وبعد عشر سنوات من رحيلها الذي سبقته سنوات من التوقف والحرمان، تعود عبر متصفح "غوغل" الذي ذكرنا بتاريخ نسيناه، ذكرنا بتلك المقاتلة في سبيل حلمها الفني، التي لم نعِ حتى اللحظة أي حرمان عاشت، وهي تفتح الباب على مصراعيه لكل فنانة خليجية جاءت بعدها، لتسود حالة من الحنين والشوق، لنكتشف أن "غوغل الأجانب" أكثر وفاءً.
هل يحرضنا "غوغل" لنخصص جائزة فنية "نسائية" تحمل اسم عتاب ونساهم في ترسيخ اسمها من جديد؟.
1
علي العراد
2018-01-11 13:56:43مميزة عزيزتي سهى في تحقيقاتك .