برحيل الفنان الكبير أبو بكر سالم بلفقيه، انطوت صفحة كبيرة ومسيرة فنية غنية وثرية. وبعد أكثر من إشاعة رحيل، وموت كاذب، ونفي قاطع، إلا انه هذه المرة غاب وترجل مودعاً صادقاً. أبو أصيل يمتلك خامة صوت غريبة وعجيبة لا تشبهها إلا حنجرته الذهبية، فصوته الشجي العذب، ودرجة الصوت التي تميزه عن أقرانه جعلت منه ظاهرة فنية غناية متفردة بتلون الأحبال الصوتية التي كان يصدح بها بكل طبقات الصوت الرائعة، فلا أحد يجاريه بامتلاك مثل هذا الصوت المدوي المتفرد بأصول الأداء وتفرد الإلقاء بطبقات الصوت المذهلة، فحين يصدح صوته يصمت الجميع، وحين يغني يطرب الآخرون لعذوبة وجمال وقوة صوته الذي لا يشبه إلا هو.
حين كنا شباباً صغاراً وقبل قدوم "العولمة الباهتة" نتسابق على محلات توزيع الأشرطة من يحصل على الكاسيت الجديد لـ"أبو بكر"، نسمعه ونصفق له ونحاول أن نقلد صوته القوي لكننا نفشل جميعاً، ويعلق أحد كبار السن بقوله.. لا أحد يشبه بتردد طبقات الصوت إلا الشيخ القارئ عبدالباسط عبدالصمد، حيث يمتلك نفس طبقات الصوت المتعددة في الارتفاع والنزول على سلم موسيقي واحد.
ستة عقود من الزمن والراحل يواصل مسيرته الغنية بالإنجازات الفنية المتعددة، فهو مدرك لأصول الفن ومثقف فنياً، وقارئ نهم ومتابع وصاحب خبرة ودراية وتخصص في مجال فن الغناء العربي الأصيل والولوج والتعمق فيه، المتجذر بحب الأرض والولاء والمفعم بأصول الفن ودهاليزه وخفاياه، فقد تنقل الراحل من عدن الى القاهرة الى بيروت وأخيرا الرياض، التي أحبها وأحبته.. وغنى لها بحب وشوق ولجميع مدن المملكة، حيث كان الراحل وفياً لوطنه ومخلصا لرسالته الفنية بتمعن وإتقان، وكُرّم من عدة مدن عربية خلال مسيرته الطويلة، لأنه فرض نفسه على الساحة الغنائية العربية بقوة صوته العذب المتميز ومهاراتة الفنية المتعددة، لا نقول لماذا لم يكرم بل نقول لماذا لم يتكرر مثل هذا الصوت الفريد؟.
*المدير الإقليمي للصحيفة بدولة الإمارات
التعليقات