وإن من نكد العيش أن يتجرأ بعض المأجورين اليوم على المملكة ويدعي عليها كذباً تقصيرها في حق القضية الفلسطينية، وفي جنب أشقائنا في فلسطين

ليس حديثي هذا من باب المن على الأشقاء أبداً، حاشاهم، وليس حديثاً عن المال، بل حديث عن المواقف والرجال. في وقت أصبحت أوطاننا العربية فيه مرتعاً للمأجورين والمدسوسين علينا لتنفيذ سيناريوهات مرسومة سلفاً، أصبح من الواجب علينا أن ننشط الذاكرة العربية التي لم تعد تحتفظ بشيء على ما يبدو، وأصبحت أسيرة لما يروج من أكاذيب سابحة في فضائنا الإعلامي العربي. أكاذيب تعتمد في المقام الأول على ضعف الذاكرة، وعدم اكتراث أحد بالبحث من أجل التحقق مما إذا كان هذا الذي يطرح عليه صدقاً أم كذباً.

وإن من نكد العيش أن يتجرأ بعض المأجورين اليوم على المملكة ويدعي عليها كذباً تقصيرها في حق القضية الفلسطينية، وفي جنب أشقائنا في فلسطين، في عهد يتولى فيه مقاليد الحكم في البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية والحق الفلسطيني والمساند الأكبر للأشقاء الفلسطينيين في كل ما ألمّ بهم من خطوب من جراء جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

ولا يتسع المقام أبداً لجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ومواقفه مع الأشقاء في فلسطين. وأكرر أنني لا أتحدث هنا عن المال، حتى لا يحاول بعضهم لَيّ عنق الحقيقة والانحراف بالكلام عن مقاصده، بل أتحدث عن مواقف رجل كان للأشقاء في فلسطين على مدار أعوام عمره المبارك منذ أن كان أميراً للرياض نعم السند والنصير، بعد المولى عز وجل.

وسيكون حديثي هنا مقتصراً على مواقف رأيتها رأي العين وكنت عليها أنا وعدد من الحضور من الشاهدين. فمذ تفتح وعي جيلنا على أمور الحياة وشؤون السياسة ونحن نسمع عن مشروع وطني أطلقته المملكة تحت عنوان «ادفع ريالاً تنقذ فلسطينياً»، كانت حملة شعبية تم تعميمها على جميع أنحاء المملكة لنصرة الشعب الفلسطيني، وكان يرأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إبان توليه إمارة الرياض. ولا شك في أن كثيراً من أبناء جيلي حين يقرؤون كلامي هذا سيتذكرون هذه الحملة جيداً، وهي حملة من حملات كثيرة جميعها كانت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، واجتمع حولها جميع أفراد المجتمع الفلسطيني، فكلمة فلسطين، كانت، ومازالت، تعني الكثير للجميع، مما لست في حاجة إلى سرده أو تأكيده.

الموقف الثاني الذي أود سرده هنا، وأيضًا كنت من شهوده، كان قبل نحو خمسة عشر عامًا عندما توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيمات الضفة الغربية وهاجمتها وقتلت الأطفال والنساء، ولاسيما مخيم جنين الذي أبيد عن بكرة أبيه وجرح من الفلسطينيين العشرات، يومها فتحت المملكة مستشفياتها كلها لاستقبال الحالات، وفي ذلك اليوم لم يهدأ سلمان بن عبدالعزيز فكان يصول ويجول في جميع المستشفيات يزور الجرحى الفلسطينيين، وفي أثناء تردده للمستشفى العسكري بالرياض لزيارة الجرحى الفلسطينيين تبرع لهم بالدم، ثم توجه بعدها إلى مستشفى الرياض المركزي (الشميسي)، لكن حدث أنه في الطريق إلى مستشفى الشميسي انفتح مكان سحب الدم، وأخذت الدماء تسيل على جسمه -حفظه الله- حتى إنها غطت ثوبه كاملاً، فما إن وصل إلى مستشفى الشميسي حتى أصبح ثوبه –سلمه الله- مخضباً بالدم، فأرسل في طلب ثوب من المنزل لاستبداله بالثوب المخضب بالدماء، وكان يرافقه يومها ابنه الأمير أحمد -رحمه الله- وبالفعل أتوا له بالثوب وارتداه.

أكرر للمرة الثالثة، حتى لا يدلس علينا أحد المدلسين المتربصين بكل بنت شفة ننطقها، لا أتحدث هنا عن المال، فبَذْل الأموال من أجل ثالث الحرمين وأولى القبلتين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم واجب ديني وقومي، ولم يعهد عن قيادتنا أو شعبنا يوماً الإخلال بشيء من واجباتنا تجاه ديننا أو أمتنا، بل أتحدث عن تاريخ من المواقف الإنسانية والعربية والأخلاقية لفارس عربي نبيل حمل هم القضية الفلسطينية مبكراً، وتبنى جميع مبادراتها، ولم يبخل عليها حتى بدمائه حفظه الله، في مشهد تضامن تام مع الأشقاء، وانتماء لقيمهم، كان بمثابة رسالة للعالم، إننا مستعدون للتضحية من أجل فلسطين وأشقائنا فيها بدمائنا. وقد جاء اليوم الذي وجدت فيه أنه ينبغي التذكير بهذه المواقف الكبيرة من الفارس العربي الكبير سلمان بن عبدالعزيز، فدماء سلمان التي خضبت ثيابه من أجل فلسطين تبدد أباطيل المأجورين الكاذبين.