تحاول بعض الأصوات المرجفة التي تتربص ببلادنا الدوائر أن تنال من ثقة المواطن في قيادته، وتصيبه بالإحباط، مع ما اتخذته الدولة من إجراءات واضحة لتجعله بمنأى عن أي تأثيرات تضر بمعيشته ورفاهيته التي اعتادها..

الاختبارات تكشف عن القيمة الحقيقية للمعادن، وليس البريق وحده، فما أكثر ما يلمع من معادن رخيصة الثمن، لذا قال الأقدمون "ليس كل ما يلمع ذهباً".. الجميع يتحدثون عن المواطنة وعن حبهم للوطن، وتاريخ بلادنا حافل بالمدائح التي تعقب العطاء، لكنه لا يمكننا الوثوق بهذه المدائح وأصحابها إلا بعد إخضاعهم للاختبار. وليس ثمة اختبار أكبر من التحولات الاقتصادية التي تميز المواطن الحقيقي المحب لبلاده المساند لها في جميع ما تصبو إليه من تطلعات تنموية ونقلات اقتصادية، من المواطن المرجف الذي اعتاد تلقي المكرمات والمنح والمعونات وليس لديه استعداد للانخراط مع قيادته ومساندتها في النهوض باقتصاد بلادها، والتحول به من اقتصاد ريعي يقوم على ثروات إن نضبت أو تراجع إقبال العالم عليها أصبحت البلاد –لا قدر الله- في كارثة اقتصادية، إلى اقتصاد قائم على المعرفة والصناعات والسياحة والمنتجات الوطنية، اقتصاد متنوع مصادر الدخل، فلا يعقل أن تعول بلادنا على النفط، ولا يعقل أن تبقى مصائر أجيالها المقبلة معلقة بحجم احتياطي الطاقة القابلة للنضوب وإن طال الزمن.

إن قيادتنا اليوم تقود بلادنا إلى المنعطف الأكبر في تاريخها، نحو تحول اقتصادي شامل، يتطلب من الجميع أقصى درجة من الوعي واليقظة، ليس على مستوى الشراكة الوطنية وحسب، بل على مستوى الوعي الوطني بأي دعوى إرجاف يتسلل بها أصحابها بين صفوف المواطنين ليحرضوهم على قيادتهم، فليس هناك وقت أنسب من هذا لضرب أسافين الوقيعة بين الشعوب وقياداتها، وأيضاً، ليس هنا وقت أنسب من هذا لتلتف فيه الشعوب حول قياداتها، وتدعم مسيرتها نحو توفير فرصة حياة أكثر أماناً وثراء للأجيال بلادها.

ومن واقع مراقبتي للأحاديث الكثيرة عن ضريبة القيمة المضافة التي تشغل الناس هذه الأيام، فهناك تساؤلات كثيرة واعية تدور في فلك محاولات الفهم المشروعة من المواطن، وما عليه من التزامات تجاهها، وأيضاً ما يقدم له من دعم لتجنيبه أي آثار لتطبيق هذه الضريبة عليه، ويتمثل في برنامج حساب المواطن، الخطوة العظيمة والذكية التي تجسد حرص الدولة على تلافي أي انعكاسات سلبية على المواطنين لهذه الضريبة التي تمثل رافداً اقتصادياً مهماً وحقا للدولة تأخر طويلاً، وما من شك في أنه سينعكس في الأخير إيجاباً على حياة المواطنين، في صورة خدمات إضافية ستقدمها الدولة لهم، تسهم في رفاهتهم، وفي نمو دولتهم وثرائها غير المنفصل عن ثرائهم بكل تأكيد.

لكن في المقابل تحاول بعض الأصوات المرجفة التي تتربص ببلادنا الدوائر أن تنال من ثقة المواطن في قيادته، وتصيبه بالإحباط، مع ما اتخذته الدولة من إجراءات واضحة لتجعله بمنأى عن أي تأثيرات تضر بمعيشته ورفاهيته التي اعتادها، ودور المواطن في هذه الحالة أن يكون يقظا على نحو يليق باللحظة الراهنة، وألا يستجيب لدعاة الإحباط والتشكيك، فبلادنا بخير، ولديها من الثروات وفرص تنمية مواردها لكثير فقط كان ينقصها طوال العقود الماضية أن تنبه إليه وتستثمره، وهو ما يحدث الآن، بوعي وحرص على مصلحة المواطن الذي لن يتأثر بشيء من هذا، ولا سيما أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة، فالزيادات التي ستطرأ على السلع والخدمات ستدخل حسابه الذي خصصته الدولة من أجل دعمه، أما المواطن الثري فلا أعرف حقيقة ما وجه الاعتراض لديه، وما سيطرأ من زيادات على السلع والخدمات شيء لا يذكر بالنسبة إلى مستوى دخله، فإن كانت دريهمات معدودات بالنسبة إلى دخول هؤلاء ستجعلهم يقفون في وجه استراتيجية وطنية بهذه الأهمية لحاضر بلادنا ومستقبلها، فعلى هؤلاء أن يراجعوا مواطنتهم التي يتشدقون بها، فليس الأصل في المواطنة أنها تلقي الخدمات وراء الخدمات والعطاء وراء العطاء من الوطن من دون حساب، بل المواطنة الحقة أن ننظر بإنصاف إلى واقعنا وواقع غيرنا، وننظر إلى الاستفادة العظيمة التي ستتحقق لبلادنا ومواطنينا في حين لن نخسر شيئاً ذا بال، شيء ربما ننفقه جميعاً في رفاهيات، وربما تفاهات وأشياء لا نستفيد منها طوال الوقت، لكن حين يذهب لصالح الوطن ولصالح الناس يغضب أحدهم في مشهد أنانية مفرط، لا ينبغي أن نستجيب له، فالدولة لم تقصر في حق الشرائح المحتاجة إلى تلقي الدعم، أم الشرائح التي تعيش في رغد العيش، فعلى من يتذمر منها أن يخجل من أنانيته، فجميع أوطان العالم تبنى بالشراكة، وتدليل بلادنا طوال عقود لأمثال هؤلاء، هو الذي جر علينا ما نحن فيه اليوم، فمساواة الغني بمتوسط الدخل ومحدود الدخل في تلقي الدعم والخدمات يتنافى مع أي مفهوم للعدالة، وهو أمر سيتوقف مع بدء تطبيق هذه الضريبة العادلة، فعلينا أن نتنبه جيداً لهؤلاء، فليسوا سوى أحجار عثرة في طريق أي تغيير تتطلع إليه بلادنا.