لاشك أن غياب الرؤية التخطيطية الإقليمية في الماضي وضعف التنسيق بين الجهات الخدمية تسبب في توسع المدن وأفقدها السيطرة على التحكم في النمو، كما أن استجابة إدارات المدن لطلبات بعض ملاك الأراضي كان له دور أيضاً في التأثير على اتجاهات توسع المدن وتوجيه النمو واتساع الرقعة التي تشغلها، ونحن نعيش اليوم تبعات ذلك ففقدان السيطرة والتضخم الكبير للمدن هو المشكلة الأصعب لأنها ستكون حتماً غير قادرة على التعامل مع نقص الخدمات والمشكلات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن ذلك.

إن النمو السريع للمدن وغير المتوازن يؤدي إلى فقدان السيطرة عليها وانتهاج أنماط تخطيطية تتسبب في اتساع الفجوة بين توفير الخدمات العامة للمدينة وبين المناطق السكنية، مما يجعل توفير تلك الخدمات يشكل عبئاً اقتصادياً كبيراً على ميزانية الدولة وبالتالي القصور في توفير تلك الخدمات ومن أهمها الخدمات التعليمية والصحية والأمنية، ولهذا جاء قرار مجلس الوزراء الموقر في وقتٍ سابق بتحديد النطاق العمراني لجميع مدن المملكة ووضع القواعد والشروط المنظمة لاعتماد المخططات لكل مدينة.

وفي حقيقة الأمر نجد أن المدينة حالها حال أي شي آخر إذا حمل فوق طاقته تبدأ ملامح الوهن والضعف ظاهرةً عليه، كما أن نمو المدن وتوسعها بشكلٍ يفوق طاقتها الاستيعابية يؤثر في نمط المعيشة وتدهور الحالة الاقتصادية للسكان وزيادة معدلات البطالة والتأثير السلبي في سلوكيات المجتمع وله تبعات أمنية كبيرة من خلال انتشار المناطق العشوائية وتكون بؤر الجريمة، وعلاوةً على ذلك نجد أن تحميل المدن فوق طاقتها عادةً ما ينتج عنه أزمات كثيرة لعل من أهمها ارتفاع الأسعار في كافة السلع والعقارات وانخفاض نسبة تملك المساكن.

لذا من المهم جداً أن يعاد دراسة أحجام المدن الطبيعية وأن يتم تحديد قدرتها الاستيعابية الفعلية على التوسع والنمو لتحقيق التوازن العمراني والاقتصادي، من خلال التخطيط الإقليمي الذي ينظر إلى العلاقات بين المدن والقرى، والتخطيط الشامل للمدن الذي ينظر إلى جميع نواحي التنمية والخدمات بما في ذلك تصميم الأحياء السكنية ومناطق العمل وغيرها، لأن المدن التي تعنى بالتخطيط بشكلٍ شامل حتماً لن يكون توسعها عشوائياً وإنما توسعاً مخططاً يأخذ بعين الاعتبار كافة العوامل المؤثرة على النمو، كما أن هناك سياسات تنموية تطبقها بعض الدول للحد من النمو العشوائي للمدن وإحكام السيطرة عليها تعمل بشكلٍ رئيسي على تنمية الأقاليم والحد من الهجرة نحو المدن الكبرى وتنمية المدن الثانوية والريفية وتوجيه مشاريع تنموية وحيوية إليها.