آفة الفساد أن له يدين، إحداهما تلعب في المال العام، والأخرى تلوّح بقبضتها في وجه من يحاول كشف أوكارها والتبليغ عن أباطرتها.

التحقيقات الأولية أظهرت عمليات تبديد واختلاس لأكثرمن 100 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية،

أعتقد أن عدد القضايا التي تم اكتشافها أقل بكثير من الملفات التي لم يتم فتحها حتى الآن، والعدد مرشح للارتفاع سواء في عدد المتورطين أو حجم الأموال المنهوبة، فكيف وصلنا يا ترى لهذا المستوى من الفساد المالي والإداري؟ وكيف تردّى بعض الشخصيات الاعتبارية سواء في هذا الدرك بعد أن كنا نراهم القدوة ووثقت بهم الدولة وأقسموا على الإخلاص والأمانة في خدمة الوطن والمواطن؟!

أعتقد أن الأسباب تتعلق بمعوقات تشريعية تتطلب تحديث الأنظمة وسد الثغرات، ومعوقات فنية تواجه عمل الجهات الرقابية كعدم تجاوب المسؤولين مع استفساراتهم ونقص الكوادر المتخصصة في التحقيق، هذا غير وجود 5 جهات تعنى بالفساد مثل (المباحث الإدارية - ديوان المراقبة العامة - هيئة الرقابة والتحقيق - هيئة مكافحة الفساد) والأفضل أن يتم دمجها في جسد واحد مما يسهم في توسيع دائرة كفاءة أدائها ويعزز قوة الإجراءات وسرعة الإنجاز.

لكن أهم التحديات في رأيي هو ذلك الفراغ القانوني حيال حماية المبلّغين، خصوصاً الذين يعملون في مستويات وظيفية متوسطة فما دون ممن يطلعون على ممارسات فساد العبث بالمال العام والقادرين على المساهمة بتقديم المعلومات المدعومة بالأدلة والوثائق، إلا أنهم يخشون كشف هذا الفساد والتبليغ عنه لأنهم الحلقة الأضعف أمام خصومهم من المسؤولين المتنفذين والمتورطين بالفساد الذين استحلوا المال العام وأساؤوا استغلال السلطة.

إن من المهم جداً إذا أردنا محاربة الفساد بقوة أن نشرع لقانون صارم يحمي المبلغين والشهود من أي إجراء تعسفي يصدر كانتقام على التبليغ والتعاون مع الجهات الرقابية، واعتبارهم شرفاء يدافعون الفساد ويذودون عن مكتسبات الوطن.

وإلى ذلك الحين يبقى السؤال الذي نبحث له عن إجابة لدى نزاهة وديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق: من يحمي ضعاف المبلغين من بطش كبار الفاسدين؟!