مع اكتشاف الدولة لعمليات الفساد بالمال العام وتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد وتكليفها بحصر تلك العمليات وصلاحية الإيقاف والتحقيق مع مرتكبيها وإبراز الوسائل الإعلامية والإلكترونية لطبيعة الاتهامات للمتورطين بها وخصوصا أنها وفقا لما نُشر تركزت على إيقاف عدد من كبار المسؤولين بالجهات الحكومية والخاصة وباعتبار أن الدولة خسرت مئات المليارات وفق التخمينات، إلا أنه لم يتم تناول حجم خسارتنا الحقيقية للقيادات والكفاءات الوطنية المخلصة التي كانت تشغل وظائف قيادية وتنفيذية بمختلف المستويات ببعض الجهات والشركات والتي تعرضت لمضايقات من قيادات فاسدة مارست أساليب التطفيش والتهميش لإجبارها على الاستقالة أو التقاعد المبكر وتعيين الأقرباء والأصدقاء بوظائف عليا لفسح المجال لممارسة عمليات فساد كبيرة بالأموال العامة.

فحالات الفساد التي تم الكشف عنها مؤخرا ومستوى المتهمين بها والذين يخضعون للتحقيق بشأنها من أعلى المستويات تمثل فرضا لسلطة الدولة التي كانت غائبة عن أذهان العديد منهم على الرغم من وضوح الأنظمة والتعليمات والأوامر المشددة، والمؤسف أننا في حقيقة الأمر أمام حالات خيانة كبرى للأمانة التي أوكلت لهم واستغلت المناصب والصلاحيات في السعي لتحقيق المصالح الخاصة باستغلال مصطلحات التطوير والتغيير! فمع حقيقة وجود بعض القيادات غير المؤهلة ببعض الجهات، أصبح هناك استغلال لمفهوم إداري بالتجديد للقيادات لتولى تنفيذ خطة التطوير والتغيير وتجاوز ما يعرف بمقاومة التغيير ومن خلال جلب المسؤول الأعلى بالجهة أو الشركة للعديد من الأشخاص بعقود أو بالتعيين على الوظائف القيادية وإبعاد جميع المسؤولين السابقين بما فيهم الكفاءات وتهميشهم ليسهل تنفيذ جميع الأعمال بدون معارضة أو إبداء رأي أو فهم ما يتم السعي إليه ومنه شبهات الفساد! بل أصبحت هناك قيادات وشركات ومكاتب تتنقل مع المسؤول أينما ذهب لأي جهة! وهو ما أعطى انطباعا خاطئا بالمجتمع أن جهاتنا تخلو من الكفاءات الوطنية المؤهلة وهي التي أبعدت عن البروز وخدمة الوطن، وجميعنا يعلم بقدرات فنية وإدارية خسرتها جهاتنا بسبب استبدالها بمن تم تعيينه بمناصب قيادية للإبداع في ممارسة الفساد وبدعم من أعلى الجهاز سواء بعلم المسؤول الأعلى أو جهل منه لتمرير تلك الممارسات واستغلال الصلاحيات! فالمؤهلون وأصحاب الخبرة أجبروا على التقاعد المبكر والاستقالة أو الإبعاد عن العمل التنفيذي ليتولى أعمالهم ممن هو أقل كفاءة من متعاقدين وشركات يديرها أجانب لا نعلم عن مؤهلاتهم ولا تهمهم المحافظة على أموال الجهة بل ضمان تجديد عقودهم وربما استغلال الوضع بتمرير عمليات فساد على الجهة لتحقيق مصالح أخرى وبدون علم من تعاقد معهم! ويبقى أن حالات الفساد حتى وإن كانت مدعومة ستنكشف وإن طال الزمن.